إنسانيته القديمة ليحيا حياة طيبة، وكلما ارتقت به الحضارة زاد احتياجه إليها. والتاريخ يشرح لنا الفكرة التي تسيطر على العالم، فكرة التطور. قد يرى البعض أن العلوم الطبيعية والأدب يفسران ناحية منها، والتاريخ يفسر النواحي السياسية والاجتماعية، ولكن إنعام النظر يرينا أن العلم الطبيعي والأدب يدخل فيهما عنصر التطور نفسه ولذا لا يمكن فهمها دون الرجوع إلى التاريخ
التاريخ يضرب لنا أمثلة حسية على الحياة، فهذه حياة أناس عاشوا في ذلك العالم وأحسوا احساسات خاصة، تحاربوا وتصالحوا وطالبوا بحقوقهم وذادوا عنها أو انصرفوا إلى التمتع بالحياة وأحبوا الترف، ماذا كانت نتائج أعمالهم، ما بواعث فعالهم؟ يبين لنا التاريخ اختلاف الناس وأثر ذلك الاختلاف، وأن لكل فرد نحو بلدته ونحو وطنه ونحو العالم مهمة خاصة يؤديها في الوجود. وهو لا يبين لنا اختلاف الأفراد أو الطبقات فحسب، بل اختلاف الأمم والشعوب أيضاً، فلكل أمة رسالة قد أدتها أو هي في سبيل تأديتها للحياة. ثم هو يبين لنا اختلاف العصور، فكل عصر مختلف عن سابقه له طابعه الخاص في طرائق تفكيره ومنتجاته. فعصرنا الحاضر مختلف اختلافاً ظاهراً عن العصور الماضية ومشاكلنا والموازين التي نحكم بها على الأشياء مختلفة عن ميثلاتها في الماضي، ولكن الماضي ضروري لفهم مشاكلنا الحالية، فالحياة كما يوضح لنا التاريخ في تغير دائم، في تطور
يرينا التاريخ تعاون الإنسانية في ارتقاء سلم الحضارة، كما يرينا أنها سائرة في طريق النمو والتحسن، فالأفراد يحيون ثم يموتون، والأمم تقوم وتسقط، والحضارة تتقدم حيناً وحيناً تتأخر، ولكن النمو مطرد. فالإنسان كفرد تزداد حقوقه وأصبح أمامه مجال كبير لخدمة مستقبله وعائلته ووطنه والعالم. وينكر بعض المفكرين النمو في نواحي الروح والدين والأخلاق؛ فالعصور الماضية عصور الأنبياء. ولم تتقدم الأخلاق خطوة، فالقانون بين الدول لا زال قانون القوة. حتى في الناحية العقلية يشير البعض إلى مثل ذلك الجمود. فلا دليل في نظرهم على أن عقل الإنسان الحاضر أرقى من عقل أفلاطون. ويقول هكسلي إنه لا يعرف دراسة محزنة لتفسير تطور الإنسانية مثل دراسة التاريخ. فالإنسان لا زال وحشاً ولكنه خير من الوحوش الأخرى. وأحسن الحضارات الحديثة لم تظهر لنا مثلاً أعلى أو شيئاً جديراً بالبقاء