ويرد على ذلك بأن التاريخ يرى لكل عصر مساوئه، وأن الإنسانية لم تبلغ بعد حد الكمال، وأن الطبيعة الإنسانية ذاتها لم تتغير إلا بمقدار ضئيل، وإنما الذي يغير تغيراً محسوساً هو تكيفها لظروفها الطبيعية والاجتماعية. ونمو محصول الإنسان من حيث المعلومات ومن الناحية المادية واضح، فكشف العالم الجديد وكشف كثير من قوى الطبيعة واستغلالها لمصلحته، وتكييف الإنسان للبيئة من إصلاح الأراضي وإزالة الغابات واختراق البحار والجبال والصحارى والهواء شواهد على النمو العقلي وعلى ارتفاع مستوى المعيشة. ولا ريب في أن زيادة المقدرة على التعليم والتعلم، وتقدم العلم وسهولة الانتقال هي في مصلحة الرقي العقلي والأخلاقي والروحي
التاريخ يصف التطور الاجتماعي لا العضوي والبدني، فإذا شعر الدارس بأنه يعيش في جو كله تطور ونمو فهو لا ينسى الماضي. سيقدر الحاضر ويزداد أمله في المستقبل. يعرف الدارس خلال التاريخ سر الإنسانية ويجد فيه أكبر خادم للفكرة الإنسانية ذاتها؛ لأنه يقلل من حدة التعصب لقومية أو لدين وعادات. فالتاريخ يبين أن العالم لم يقم على حضارة واحدة أو لغة واحدة أو دين واحد أو عسر واحد - فلكل حضارة نصيبها يغبنها التاريخ إياه - يرينا أن الأمم تبادلت ولا تزال تتبادل أنواع الحضارة. ولئن كان العلم قد أفاد فن الحضارة المصرية القديمة فهو مدين للفلسفة اليونانية والفن اليوناني والقانون الروماني. ولا ريب في أن مدينة العصور الوسطى في الشرق والغرب كانت أساساً عملياً لحضارة العصور الحديثة.