وإذا جاز للأجنبي أن يعكر الماء ليصيد، ويفرق الأهواء ليستفيد، فلا يجوز للوطني البر أن يمزق الوحدة لينتقم، ويوقظ العصبية ليغلب!
لقد كان التمييز بين المصري وأخيه بالإسلامية والقبطية، أو (بالأكثرية والأقلية)، أثراً من آثار الحكم الجاهل، أو أداة من أدوات الاستعمار اللئيم. ومصداق ذلك أن الأمر لم يكد يصير في أهله حتى أمحت الفروق، وشاعت الحقوق، وتعانق الهلال والصليب، وتآخي الشيخ والقس، وماتت الصحافة الطائفية، وأصبح المصريون أمة واحدة تجد فيها المسلم والقبطي، كما تجد الوفدي والدستوري، ولكنك لا تجد للعقيدة الدينية أو النحلة السياسية أثراً سيئاً في علاقة خاصة أو معاملة عامة. وبهذه الوحدة المقدسة تميزت مصر على أمم الشرق، وقدمت إليهن مثلاً عالياً في الوطنية الصادقة والسياسة الحكيمة
إن تقسيم الناس على عدد الأديان والألوان خلق من أخلاق الجاهلية لا تزال الإنسانية تقاسي ما ورثت من عقابيله. وإن استغلال هذه المعاني اليوم في تحقيق غرض من أغراض السياسة وسيلة مكيافيلية لا يطمئن عليها ضمير حي. وإن زعمك يا صديقي أن غضب الأسرة لغضب واحد منها نزعة في أصل الطبع لا حيلة فيها، يكون له مساغٌ في العقل إذا كان الغضب لها والخلاف من أجلها، أما إذا كان الشقاق والانشقاق لخلاف في السياسة العامة، فإن في مغالبة فريق بفريق، ومواثبة عنصر بعنصر، دليلاً على نية سوء لا يصلح صاحبها أن يكون زعيماً يطاع ولا إماماً يتّبع.
لا يا صديقي! لم تكن فكرة التميز والتحيز في عهد من العهود سبيلاً إلى مصلحة الوطن؛ فإن تقسيم الحقوق والواجبات على مقتضى النسبة العددية شديد على الفريق الأقل. وإن انقسام الأمة إلى فريقين متعارضين، خليق بما يحمل من معاني الأثرة والتعصب أن يوقع الوحشة بين الأخوة فلا يجمعهم ظل ولا تدنيهم مودة
لك يا صديقي ولجميع الناس أن تختلفوا وتختصموا؛ ولكن عليك وعلى جميع الناس أن تراعوا جانب الحق في الخلاف، وتؤثروا سلاح الحق في الخصومة. وما دمتَ من رجال السياسة وطلاب الحكم فيجب أن يكون رأيك للجماعة وسعيك للجميع. أما أن تفرق لتسود، وتقسم لتقود، فذلك جرم وطني لا تسعه مغفرة
اتقوا الله في الوطن يا صديقي، ولا تفتحوا عليه باب الفرقة فإنه باب ظاهره فيه الخراب،