ونحن مع شكرنا له على غرضه النبيل من هذا المجهود نقرر أن أصحاب كل لغة هم أدرى الناس بمنابع ألفاظها وأصول اشتقاقها. فذا قلنا للفرنسي إن كلمتكم مأخوذة من كلمتنا (سليط)، فأنكر وقال: بل هي مشتقة من بل هي مشتقة من كان من الواجب علينا أن نكذب أنفسنا ونصدقه، ما لم تكن حجتنا على هذا الأخذ قوية.
هل يريد أستاذنا الكبير أن يقول إن العربية أقرب إلى هذه اللغات من أصلها اللاتيني؟. . . ذلك ما لا نظنه.
وإننا حين نكتفي من المعجم الأوربي بقوله إن لفظة (كذا) مشتقة من الأصل اللاتيني أو اليوناني (كذا) يجب ألا نكتفي ممن ينسب هذا إلى العربية بغير الدليل التاريخي القاطع، ولا عبرة بالمشابهة اللفظية كما أوضحنا.
يضاف إلى هذا أننا نجد الألفاظ العربية الدخيلة في هذه اللغات منصوصاً عليها في معاجمها، مع ذكر خطوات اشتقاقها إن أمكن تتبعها، فلم يعد من حقنا بعد كل هذا أن ننسب إلى لغتنا لفظاً أجنبياً، ما لم تنص على ذلك معاجم القوم، أو يقم الدليل القاطع من عندنا على صحة نسبته إلى لغتنا. . .
ذلك رأيي الخاص في هذا الموضوع، وللأستاذ الكبير أن يؤيده أو يفنده. وأعود إلى إجابته الأخيرة عن (المقرونة) وما ذكره من أنها هي التي يقال لها اليوم مكرونة: إن هذا كلام يعوزه الدليل وتنقصه الحجة القاطعة. والذي تذكره المعاجم الموثوق بها، ويؤيده العقل أن هذه اللفظة الإنجليزية تحريف للاسم القديم الأخير مشتق من الفعل. يسحق أو يتيسر لنا أن نثبت وجود علاقة صحيحة بين المقرونة العربية وهل كانت المقرونة - وهي التي يقول الأستاذ إنها من طعام أهل الجاهلية - معروفة لدى الشرقيين بنفس الاسم، عندما اتصل بهم الإيطاليون، وبادلوهم منافع السلم وفواجع الحرب؟
ذلك ما نطالب أستاذنا الكبير بإثباته قبل التسليم له بوجهة نظره، وثمة شيء آخر أحب أن أذكره، وهو أن الإنجليز يطلقون اسم الشعر على نوع من النظم الفكاهي عندهم يتألف من مزيج من الألفاظ بعضها أوربي حديث وبعضها لاتيني قديم. وفي قاموسنا المحيط