للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومناط التفرقة بينها هو النفسيات وما تشمله من فوارق الحس والعاطفة، وليس المرجع فيها الى باب في علم النحو يتكلم على مواضع التصغير

وأعجب شي يقال هو أن المتنبي لم يستصغر المهجوين ولم يكثر من التصغير لأنه متكبر، بل أكثر منه لسبب أخر. . . ثم لا يدري أحد ما هو ذلك السبب آخر؟

لم يمتنع الاستصغار بسبب التكبر؟ ولم لا يكون التكبر سبباً للاستصغار؟ أي عجب في ذلك؟ بل أي مخالفة فيه للمعقول والمعهود! بل أي شي أقرب منه إلى الفهم والتعليل؟

أيمتنع هذا القول لأنه من النفسيات وكل ما كان من النفسيات فهو ممنوع غير مقبول؟

أيمتنع لأن قراراً مجهولاً لا نعرف نحن مصدره قضى بمنعه وتحريمه وإقصائه من عالم الفرض والتقدير؟

إننا لا ننفي أن المتنبي كان متكبراً مطبوعاً على الكبرياه، ولا ننفي أن التكبر مطبوع على أن يستصغر الناس، ولا ننفي أن صيغة التصغير تستعمل للتصغير والتحقير، فلماذا ننفي ولع المتنبي بالتصغير مرجعه إلى طبيعة الكبرياء فيه؟

لماذا؟ للنفسيات التي يسمع باسمها من يسمع فيظن أنها حجاب حائل بين المتنبي والاستصغار بصيغة التصغير؟

أما أن المتنبي قد أستعمل التصغير للتعظيم والتكبير، فهو إذا صح لا يمنع أن التصغير يستخدم أيضاً للتصغير، بل هو الأصل والتعظيم مجاز عارض عليه

يقول أحد إنني رأيت المليمات في أيدي الفقراء، فيجيء سامع بالنفسيات - أو قل سامع بالاقتصاديات - فيقول: كلا. كلا. هذا بعيد! هذا غير معقول! هذا إقحام للاقتصاديات في شئون الحس والعيان! لأنني رأيت بعيني المليمات في خزانة المصرف الكبير، وفي خزانة الغني العظيم!

نعم ظريف كذلك الكلام الذي يبطل باب التصغير للتصغير جملة واحدة لأن التصغير قد أستعمل حينا في معنى التكبير. . .!

على أن البيت الذي قيل إن المتنبي خالف به هذه السنة لا يدل بمعنى من معانيه على أنه قد نسى فيه الكبرياء أو نسى عادة الاستصغار

فهو يقول في وصف الليلة التي ضاق بها:

<<  <  ج:
ص:  >  >>