هل تتوهمون أن السعادة لا تكون إلا من نصيب من يرتادون الملاهي أو يملكون البيوت والسيارات والفدادين؟
لو عرف الفلاح المجاهد في سبيل القوت أنه يغني أمته قبل أن يغتني لشعر بسعادة تفوق الوصف. ولو عرف الخادم أنه يساعد بأمانته على تجميل الحياة لأدرك أنه من السعداء
هل توجد في الدنيا مهنه حقيرة؟ لا، وأنما يجد في الدنيا حقراء، وهم الذين يريدون أكل الشي بلا جهاد.
ثم أما بعد فهذا درس في الأخلاق التي نرجو أن تسود في هذا الجيل وهو درس أوحته القصة الآتية:
كنت أسير في أحد البلاد ومعي رجلٌ متعلم له وظيفة ملحوظة في الريف، فرأينا جماعة من الفلاحين يجاهدون في نقل (عدّة وابور) مياه، فتنهد ذلك المعلم وقال: أنظر كيف يشقى الفلاحون!
ثم بالغ في التنهد إلى أن أخفت على عينيه من الدمع
عند ذلك قلت: ومن ينقل هذه (العدّة) إذا تخلى عنها هؤلاء الرجال الأشداء؟
فقال: هذه الحكومة تسمي نفسها حكومة الشعب، ومع ذلك لا تحمي هؤلاء المساكين من هذه الأثقال
فقلت: وهل ترى من واجب حكومة الشعب أن تحمي الشعب من الجهاد في سبيل الحياة؟
وطالت اللجاجة بيني وبين ذلك (المتعلم)، وانتهى الأمر بأن زاد اقتناعه بأني عدو الفلاحين
لو كان ذلك المتعلم من أرباب الأذواق لوجد في ذلك المنظر فرصة لنظم قصيدة يمجّد بها النشاط المصري، النشاط الموروث عن الآباء والأجداد، فالفلاحون المصريون هم أقوى الفلاحين في الدنيا بلا استثناء، ولو اشتركوا في مصارعة دولية لكانوا الفائزين.
ما العيب في أن يعاني الفلاحون عرق الجبين؟
وما العيب في أن لا يعرفوا غير الفؤوس والمحاريث؟
وما العيب في أن يكونوا شعثا لا زينة لهم غير كرم النفوس؟
هل تعرفون السعادة التي يشعر بها الفلاح وهو يوصي أهله بأن يوقظوه قبل الشروق ليدرك صلاة الصبح؟