ونحن في هذا العهد نسرف في أكل اللحوم إسرافاً يحمل الحكومة على تقييد بيع اللحوم، وإن تمادينا على هذا الحال فستزول المعاني الشعرية التي يحسها الفلاح في رعاية مواشيه، وسيمسي الفلاح وهو آلة في أيدي الجزارين!
فهل يجوز بعد هذا الكلام أن يتمادى الكتاب المتحذلقون في تعبير الفلاح بأنه ينام في حظائر الأبقار والجواميس؟
إن لله حكمة في أن يجعل لنا أصدقاء نافعين من الطير والحيوان، أصدقاء لا يطالبون بشي، ولا يثورون على الحرمان!
كان أحد ملوك فرنسا يقول إن الذي يهمني أن يعم الرخاء بحيث يجد كل فرنسي دجاجة لمائدة يوم الأحد. . . والرخاء عندي أن يكون في دار كل فلاح بقرة أو جاموسة، فمتى نذيع هذا المعنى بأقلامنا؟ ومتى نترك تعييره بمصاحبة المواشي؟
كانت بيوت المياسير من أهل القاهرة تشتمل على حظيرة للأنعام، وكان هذا يلاحظ في تخطيط البيوت، فهل ترجع هذه النزعة السليمة، ولو في البيوت التي تقام في الضواحي؟
وكان الفرن ملحوظاً في كل بيت، ثم تمدَّنا فكانت العاقبة أن ذمم الخبازين!
وكانت أكثر البيوت في القاهرة تنتظر زادها (الصابح) من خيرات الريف يوم كان للقاهريين صلات بالريف، وقد انقطعت تلك الصلات بفضل التمدن الحديث
أما بعد فأين أنا مما أريد؟
أنا أدعو الى تقوية الذاتية في كل فرد، والى تمجيد كل مهنة، والى احترام كل جهاد في سبيل الرزق الحلال.
أنا أدعو العمال الذين ينقلون الأحجار إلى الفرح برؤية المباني الشواهق، لأن لهم يداً في رفع البناء.
وأدعو الكناسين إلى الفرح برؤية الأصحاء، لأن لهم يداً في دفع ما يحمل الغبار من أوباء. وأدعو عمال المطابع إلى الفرح بنهضة مصر العلمية، لأن لهم يداً في إبراز نفائس المؤلفات
الحياة الطيبة هي الحياة التي يسودها الرضا والابتهاج، وفي مقدور كل فرد أن يحيا هذه الحياة، لو سكت الكتّاب المتحذلقون فلم يبغّضوا الحياة إلى الأحياء