الراحمين). فقال له رجل: يا أبا السائب أفي المقام تقول هذا المقال؟ فقال له:(إليك عني! الدعاء لهم أفضل من حجة بعمرة).
بجانب هذا كله نجد في المدينة حركة علمية قوية لا نجدها في غيرها من البلدان. ذلك لأنها مهبط الوحي الثاني بها نزل التشريع وبها عقدت مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثر الصحابة الكرام الإقامة بها. وقام فيها العبادلة وأحبار هذه الأمة من الصحابة والتابعين - فلا عجب إذا رأينا المدينة تصبح قبلة العلماء ومحط طلاب الفقه والتفسير والحديث والمغازي. فما من فقيه أو محدث أو طالب للأجناد إلا ونراه يقصد مدينة الرسول الأعظم ليتصل بصحابته وينال بغيته.
وإذا ما دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم هالك ما تجده من الحلقات المنتشرة في فنائه الواسع. هذه هي حلقة قد تصدرها أحد الصحابة الكرام يشرح للناس ما سمعه عن الرسول، ويفسر لهم آي الذكر الحكيم. وهناك حلقة أخرى توسطها أحد الذين اّشتركوا في فتح العراق وهو يقص عليهم أيام القادسية ونهاوند وما أفاضه الله على عباده المؤمنين من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم ونعمة. وهكذا قل عن بقية الحلقات فزخرت المدينة بفقهاء ورواة الحديث وطلاب السير والمغازي
وتمتعت المرأة الحجازية بحرية واسعة في هذا العصر: شاركت الرجل في الحفلات العامة
والحلقات العلمية والأدبية وحضرت مجالس الأنس والطرب وارتادت منتزهات المدينة. ومنهن من أضرت بهن هذه الحرية فأسأن استعمالها وأسفقن وتبذلن، بل فُقن الرجال في الخلاعة والمجون. يتمثل لنا هذا في وادي العقيق وحلقات المغنين ومجالس المخنثين واّجتماعات الشعراء. حتى أن بعضهن شاركن الرجل في التغتي وركوب الخيل (فقد كانت أم سعيد الإسلمية وبنت ليحيى بن الحكم بن أبي العاص من أمجن النساء، كانتا تخرجان فتركبان الفرسين فتستبقان عليها حتى تبدو خلاخليهن).
على أنه ظهر فتيات من الطبقة الأرستقراطية مثلن الفضيلة والعفاف والشرف بأجلى مظاهرها. يتجلى لنا هذا في السيدات سكينة بنت الحسين وعقيلة بنت عقيل بن أبي طالب وعائشة بنت طلحة وغيرهن كثير.
فسكينة بنت الحسين كانت المثل الأعلى في العفاف والنبل والشرف والحشمة والوقار