صديقي
لا تفكر في لقائي بعد اليوم، الا أن تغير ما بنفسك، فترجع فتى كالذي عهدت، فتى يعتمد على الله لا على الناس، ويؤمن بأن الله لا يرفع أحدا بغير حق، لأنه يضع الموازين في جميع الشؤون، بحيث يمكن القول بأن المصادفة لا يمكن لها في الوجود
أتراني ألقاك مع الرجاء لا مع الخوف؟
أنا أخاف من لقائك لأنك تخذلني وتعوقني، أيها العالم الجبان!
لطف الله بي وبك، وهداني وهداك!
الخلوة إلى القلب
لا أدري كيف صرت إلى ما صرت إليه من الزهد في لقاء الناس، أو لعلني ادري، فقد صرت لا أفكر ففي لقاء صاحب أو صديق الا إذا وثقت بأن لقاءه يوحي إلى القلب أشياء
وهل يتسع الوقت لمسامرة من لا يوحون بشيْ؟
أن الحياة أقصر من أن نضيعها في مصاحبة الموسومين بالغباوة والجهل
الصديق الذي أجالسه فيثير في نفسي الشوق إلى امتشاق القلم لتدوين بعض المعاني هو الصديق، وأنا أرحب بلقائه في كل حين
والأصل في الصديق أن يكون على مثال القلب، فتحاوره كما تحاور قلبك ولا احتراس، عندئذ يتفتح القلب عن مكنونات يبدعها الحوار اللطيف
ومن أدبي في حياتي أن أحرص أشد الحرص على أصدقائي، وأن أتعصب لهم بحق وبغير حق، وأن أنتهز الفرص للحديث عنهم ولوفي صورة الملام، وكان ذلك لأني أومن بأن من حق من وثقوا بنا فصادقونا أن نبذل في البر بهم ما نملك من كلمة الخير، وهي كلمة لا يضن بها غير المفطورين على الشح اللئيم
والخلوة إلى القلب، أو إلى الصديق الذي بمنزلة القلب، هي فرصة الوحي الأدبي، وهذه الخلوة كانت السبب الأصيل في تفوق الأدباء القدماء
وهل ننسى أن الأنبياء لم يتلقوا الوحي الا في أعقاب الخلوات إلى القلوب؟
أقول هذا لأشرح السبب في قلة الشعر بجميع البلاد في هذا العهد، فالشعر لا يكون الا بالغناء، ولا يتيسر الغناء مع الضجيج