للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سماطي خيل على جنبتي الطريق بقرب المنزل: مائة فارس من الأتراك في الجانب الايمن، ومائة من سائر الناس في الجانب الأيسر، وإذا هم قد اصطفوا ينتظرون مجيءالمأمون وقد انتصف النهار واشتد الحر. فورد عليهم وجميع الأتراك جلوس على ظهور خيولهم إلا ثلاثة أو أربعة! وجميع تلك الأخلاط من الجند قد رموا بنفوسهم إلى الأرض إلا ثلاثة أو أربعة! فقلت لصاحب لي: أنظر أي شيء اتفق لنا؛ أشهد أن المعتصم كان أعرف بهم حين جمعهم واصطنعهم.

ولا يفرغ الجاحظ من حديثه في هذه الرسالة حتى يكرر النص على أنه إنما وضعها بغية التأليف بين القلوب وجمع الكلمة وتوحيد المقصد والغاية؛ وأنها ليست من كتب المناقضات أو إظهار التبحر في العلم والاتساع في المعرفة؛ لأنه لا يهدف إلى شيء من هذا، وإنما هو يرمي إلى التوفيق من أوجز طريق، ويرى (أن القليل الذي يجمع خير من الكثير الذي يفرق). . .

. . . بهذا التصرف البديع تهيأ للجاحظ أن ينشر رسالته بعد أن يئس من إخراجها أو كاد، فازداد بها فضلاً إلى فضل، وارتفع معها مكانة فوق مكانة؛ وهو لم يحرم مع ذلك أن بعد من الذائدين عن الوحدة، الداعين إلى التآلف والوئام، المصلحين بين الطوائف المتدابرة والفرق المتنافرة؛ وتلك أعراض لا نستطيع الجزم بأن واحداً منها كان يجول بخاطره وهو يضع رسالته الأولى على عهد المعتصم.

(جرجا)

محمد عزت عرفة

<<  <  ج:
ص:  >  >>