للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وينتقل الجاحظ بعد هذا إلى رسالته الأصيلة؛ وبديهي أن سطورها الأولى مما كتبه قبل تقديمها إلى الفتح بن خاقان، لأنه يقول فيها بعد التسمية: (هذا كتاب كتبته أيام المعتصم بالله رضي الله تعالى عنه ونضر وجهه، فلم يصل إليه لأسباب يطول شرحها. . .)

ولا نستطيع بحالٍ ما ان نحدد مدى التحوير الذي أدخله في هذا الموضع، ولكنا نقول انه تحوير ألجأته إليه الضرورة، إذ لا أقل من أن يتوجه بالخطاب من المعتصم المتوفى إلى الفتح الذي تحولت إليه الرسالة.

ويبدأ الجاحظ حديثه عن مناقب الترك بسرد قصة فحواها أن حميد بن عبد الحميد كان جالسا - مع جماعة أسماهم - في دار المأمون إذ خرج عليهم رسول من عنده فقال: يقول لكم أمير المؤمنين متفرقين ومجتمعين، ليكتب كل رجل منكم دعواه وحجته، وليقل إنما أحب إلي كل قائد منكم - إذا كان في عدته وصحبه وثقاته - أن يلقي مائة تركي أو مائة خارجي؟. . . فأجمع القوم على أن لقاء الترك أهون من لقاء الشراة؛ إلا حميداً فإنه خالف هذا الرأي وبالغ في التهويل من شأن الترك والإشادة ببطولاتهم في حربهم. وعقد من الموازنة بينهم وبين الخوارج ما التهى به إلى تصويب رأيه وتثبيت حجته.

وبلغ الحديث المأمون فقال: ليس بالترك حاجة إلى حكم حاكم بعد حميد! فأن حميداً قد مارس الفريقين، وحميد خراساني وحميد عربي، فليس للتهمة عليه طريق. . .

ويمضي الجاحظ إلى غايته من إعلاء شأن الأتراك فيذكر من عجائبهم في حربهم ومن طرائف أقوال الرواة والمحدثين عنهم كل ما تطرب له النفس ويطول به العجب؛ وهو لا يستشهد في كلامه إلا بأقوال رجال من ثقات العرب والخراسانيين - سوى الأتراك - حتى يكون ذلك أبعد عن التهمة وأقوم بالحجة، وأدعى إلى الاقتناع. فيحكى عن سعيد بن عقبة بن سلم الهنائي، ويختم ما ينقله عنه بقوله: (فهذا قول سعيد بن عقبة ورأيه وحديثه، وهو عربي خراساني). ويروي بعض ما يقصه ثمامة بن أشرس ويعقب قائلاً (هذا ثمامة بن أشرس وهو عربي لا يتهم في الأخبار عنهم). ويروي أيضاً عن يزيد بن مزيد الشيباني ما وصف به الموقعة التي قتل فيها دولبا التركي الوليد ابن طريف الخارجي. ويقص عن قتيبة بن مسلم طرائف أخر. ويرى الجاحظ خلال هذا بعض ما شاهده بنفسه فيقول: (وأنا أخبرك أني قد رأيت منهم شيئاً وأمراً عجيباً غريباً. رأيت في بعض غزوات المأمون

<<  <  ج:
ص:  >  >>