تعودوا أن تكون كل سفينة كأنها وحدة مستقلة فوق الماء وتحت السماء؛ وهم تجار يحرصون على حرية الأخذ والعطاء؛ وهم من سلالات الشمال (الضبابي) التي تعود أهلها الإيواء إلى المنازل كأنها القلاع والحصون لا يطرقها طارق بغير إذن من أصحابها.
فهم حريون فرديون معرقون
أفنستطيع أن نقول اليوم إن مشروع الإصلاح الجديد قد قلب هذه الأوضاع جميعها رأساً على عقب وخرج بهزيمة الحرية الفردية في معاقل الديمقراطية؟
إن قلنا ذلك فنحن ناقضون لمنطق الحوادث، بل منطق الحرب الحاضرة على الخصوص لأن الحرب الحاضرة في صميم لبابها حرب بين المعسكرين المتقابلين: معسكر الحرية الفردية ومعسكر الرقابة الحكومية.
فمنطق الحوادث إذا انتصر الديمقراطيون ألا تهزم الديمقراطية، ولا تنتصر عليها الرقابة الحكومية في نطاق واسع بعيد الآماد
وجائز أن تقتبس الديمقراطية بعض الحسنات من النظم الأخرى التي تقبل (الاندماج) في بنيتها
ولكن الذي لا يجوز أن تنتصر فيصاب مبدأها بالهزيمة، وينهدم أساسها الذي قامت عليه إنما الحقيقة أن مشروع بيفردج وما يحكيه من مشروعات الإصلاح هو انتصار للديمراطية على الفاشية والشيوعية في جوهر الخلاف بين المعسكرين
هو انتصار للقول بتعاون الطبقات على القول بحرب الطبقات، ومن ثم فهو انتصار للديمقراطيين على المعسكر الذي يقابلهم في الحرب الحاضرة
فالديمقراطية هي حكم الأمة بالأمة للأمة، ولا تناقض بين هذا المبدأ - أو هذا الأساس - وبين تعاون طبقات الأمة على المعيشة الاجتماعية
وأنصار الرقابة الحكومية هم القائلون بحرب الطبقات، وهم الذين يرجعون بالتاريخ من قديم إلى غلبة طبقة واحدة وتسخير سائر الطبقات لمنافع تلك الطبقة، ويعتقدون أن تفسيرهم للتاريخ الإنساني يقتضي في النهاية أن تتغلب الطبقة العاملة وحدها على الدولة فتنزع الأموال والأملاك وتدخلها في حوزة الدولة التي لن يكون فيها يومئذ غير طبقة واحدة