للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجانبين؛ فلقد عهدنا في الجيوش الألمانية تلك الحروب الخاطفة والدقة البالغة اللتين ظهرتا في الإغارة على نروج والدانمرك في إبريل عام ١٩٤٠، وعلى بلجيكا وهولندا وفرنسا في مايو من ذلك العام. ولكن هذه الآلة الدقيقة لم تعمل في ميدان تونس بدقتها المعهودة، وبدلاً من أن تنتهي من حركاتها الحربية في أسابيع معدودات نجدها وقد مضى عليها بضعة شهور وهي لا تزداد إلا بعداً عن الغرض الذي تنشده.

ولعل هذه الظاهرة تعلل بعوامل كثيرة منها: طبيعة هذا الميدان المعقد إذ ينقسم إلى إقليمين متباينين هما الإقليم الجبلي الذي يشمل معظم الميدان، والإقليم السهلي الذي يمثل شريطاً يضيق ويتسع. ويتكون الإقليم الجبلي من سلسلة الأطلس البحرية في الشمال، وسلسلة أطلس الصحراء في الجنوب، وبينهما الطرف الشرقي من هضبة الشطوط، ويكثر في هذا الإقليم الممرات الوعرة مثل ممر قصرين الذي استولت عليه القوات الأمريكية أخيراً. وهذه الممرات تمثل كميتاً صعباً وتعقد شباكا معقدة لكل من الطرفين المتحاربين. ويقطع هذه الممرات السكك الحديدية التي تسهل اتصال مدن الداخل بموانئ الساحل.

أما الإقليم السهلي فيحيط بالإقليم الجبلي من ثلاثة مواضع: فهو سهل ساحلي ضيق في الشمال تشرف عليه الأطلس البحرية، ويضيق جداً حول بنزرت، ثم يبتعد قليلاً عن تونس. وهو في الجنوب قد شغل معظمه ببحيرة شط الجريد. أما في الشرق فيمثل شريطاً ساحلياً يتسع في الوسط ويضيق في الشمال حيث تقرب الأطلس البحرية من الساحل، ويضيق في الجنوب حيث ترقب أطلس الصحراء من الساحل في منطقة قابس. ولا شك أن الموضعين خطيران من الناحية الحربية لان كلا منهما يمثل عنق زجاجة تسهل للمسيطر عليه مهمة الدفاع والهجوم عند الضرورة. ولذلك يرجح أن القوات الألمانية المتقهقرة في طرابلس لا ينتظر أن تقاوم كثيراً عند خط مارث بل ربما تحصن نفسها عند عنق قابس إن أعطيت الفرصة

يظهر إذن أن هذا الميدان معقد جداً من الناحية الجغرافية مما يصعب الحركات الحربية، فان كان المناخ هو العامل الأول لبطء الحركات العسكرية في الميدان الروسي في فصل الشتاء.

فان طبيعة السطح هي العامل الأول لبطء تقدم الجيوش في الميدان التونسي ليس في

<<  <  ج:
ص:  >  >>