كم يكون سرورك حين تقع عينك على خطاب، ولو كان ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب. . . تناول صاحبنا الخطاب بيد مرتعشة، رعشة الفرح أو الإشفاق لا أدري! ومزق الغلاف ونظر في سطور الخطاب نظرة سريعة وإذا بالبشرى، بشرى الفوز في مضمار المسابقة يفوح عبيرها؛ فيملأ انفه ويسري منه إلى اعصاب المخ والقلب سريان البرق، فيصدر في غير وعي، اشارات الفرح وإمارات الانتصار، غير ناظر إلى خاتم البريد، ولا ممعن في النظر إلى السطور الزائفة. . .
(اعطني عقلك!) لا نظر ولا انتظار، ولا هدوء ولا قرار، على مثل ذلك النبأ السار. . .
اغتنم حارس الخطاب هذه النشوة من صاحبنا فاختلس الغلاف وأخفاه حتى لا يعيد النظر إلى الخاتم بعد زوال السكرة، ورجوع الفكرة، ثم اظهر الحارس الفرح بفرح أخيه، وتناول الخطاب من يده، واخذ يطوف به على بقية الإخوان، مبشرا من لم يتآمر منهم بنجاح صاحبهم، ومن تأمر بنجاح مؤامرتهم. . أرأيت كيف تدبر المؤامرات وتحكم التلفيقات؟ ألم يصدق المثل القائل (كذب مرصوف، ولا صدق مندوف) وهنا اقترح المتآمرون على صاحبهم ان يدفع ثمن هذه البشرى (حفلة سمر أخوية مسائية تقام في بيته) وايد هذا الاقتراح سائر الاخوان فلم يسعه إزاء هذا الاجماع إلا أن يوافق بعد تردد لم يطل مداه إذ بخسوا له هذا الثمن (بمبلغ زهيد يشتري به فاكهة، وتقام حول مائدتها حفلة تكريم، للشاعر العظيم)، ودفع صاحب الثمن لأحد المتآمرين الذي تطوع بأن يقوم عنه بمهمة شراء الفاكهة، وانه سيتبرع هو الاخر بنصف هذا الثمن، حبا وكرامة - التفت ذهن الشاعر إذن إلى الصورة الشمسية، ورأى ان ما عنده من الصور لا يصلح لمثل هذا التفوق فقرر ان يحضر صوراً جديدة تكون أنقى وأجمل. وتواردت في ذهنه هذه الاسئلة: من ذلك المصور الماهر الذي سيحظى بشرف تصوير حامل قصب السبق في مضمار أدبي؟ من أي المدن القريبة يستحضرها؟ أي القطر يستقله إلى المدينة؟ متى يسافر؟ كيف يحصل على اجازة من عمله؟. . .
بعد لأي قرر السفر غداً - ولكن اخوانه المتآمرين كانوا قد قروا ان تكون هذه الاكذوبة مداعبة ظريفة ليس اكثر، فرسموا خطتهم على لا يكون سفر، والا يكون ما وراء السفر من مشاق ونفقات، ولا ما وراء ارسال الصورة الشمسية إلى صاحب المجلة مما تعلم، وما لا