من شجر السنط قد كتب عليها بالهيرغليفية؛ ويسير الجند إلى جنوبهم خناجرهم ذوات المسامير الفضية، وعلى ظهورهم تروسهم، وفي أيديهم فئوسهم؛ والشخصيات المبجلة يحلي صدورها أوسمة التشريف، ويحيها العبيد بالانحناء، ووضع الأيدي إلى أسفل بالقرب من الأرض؛ وتمشي بجانب الحيطان في هيئة متواضعة حزينة نسوة فقيرات، يكدن يكن عاريات، ينحنين تحت ثقل أبنائهن، المتدلين من أعناقهن في خرق بالية أو قفف من الحصير، بينما تختال فتيات جميلات يصحبهن ثلاث توابع أو أربع - في أثوابهن الطويلة الشفافة، التي تنعقد عند أسفل صدورهن بوشاح أطرافه مرسلة، ويضئ فوقهن اللؤلؤ والذهب، ويفوح منهن رائحة الأزهار والعطور
وبين الرّجّالة تمضي الهوادج يحملها الأثيوبيون بخطى سريعة منتظمة، والعجلات الخفيفة المسرحية بحصن يزينها جلال ذات أهداب، ويجمل رأسها الريش؛ أما العربات التي تحمل أسراً ويجرها الثيران، فتمشي باتئاد، وتجد طريقها بعسر بين الجمهور الذي لا يأبه بأن يداس؛ وغالباً ما اضطر السائقون إلى أن يضربوا بسياطهم المتمهلين والذين لا يخلون الطريق
هذا وفوق النهر حركة غير عادية، فعلى طول المدينة قد غطى النيل برغم سعته، ولم يعد في الوسع رؤية مائه بقوارب من كل صنف، فمن زوارق ذات حيزوم وسكان عاليين، إلى أخرى ذات ألوان وتذهيب، فكلها كان مستخدماً، ولم يستنكف حتى من ركوب المراكب المعدة لنقل البهائم وحمل الفواكه، ولا الأرمات المصنوعة من خشب الخيزران، والتي كانت معدة في العادة لحمل أوعية الصلصال
ليس من السهل عبور النهر من جانب إلى جانب، وسط جمهور يربي على ألف ألف نسمة، بل يجب لذلك كل مهارة نوتية طيبة ونشاطهم.
ماء النيل تضربه المجاديف وتشقه السكانات، فيرغي ويزبد كأنه بحر، ويكون آلاف الدوامات التي تضعف قوة التيار
والزوارق في مجموعها مختلفة ومبهجة، فبعضها ينتهي كل من طرفيه بزهرة كبيرة من أزهار اللوتس تنحني إلى الداخل، وتربط بساقها راية، والبعض حيزومة على شكل هلال ينهض طرفاه فوق الماء، ومنها ما يحمل فوقه نوعاً من الأبراج أو السطوح يقف فوقها