رؤساء النوتية، وبعضها مكون من ثلاث جذوع ربطت بالحبال، ويحركها مجذاف؛ أما المراكب المعدة لنقل الحيوانات والعربات فقد ربط بعضها إلى بعض، ووضع عليها معبر يسمح بالصعود والنزول من غير كبير عناء، وقد كان عددها عظيما، وعليها تصهل الأحصنة المطهمة، وتضرب الخشب بحوافرها الرنانة، والثيران قلقة تنحني إلى النهر بمقماتها التي يسيل منها خيوط من اللعاب، ولكنها تهدأ إذا لاطفها قوادها.
يضبط النوتية حركات المجدفين بالتصفيق، ويجثم الملاحون فوق الكوثل، أو يمشون فوق سطح المركب يصدرون أوامرهم، ويرسمون خطة السير الضرورية للانزلاق بين هذه الكثرة المربكة من الزوارق، وبرغم الاحتراس كانت الزوارق تصطدم أحياناً
هذه الآلاف من السفن المطلي أغلبها باللون الأبيض، والمزخرفة بزينة خضراء وزرقاء وحمراء، والمحملة بالرجال والنساء اللابسات ملابس من ألوان شتى أخفت سطح النيل تماما في أماكن كثيرة، وأظهرت تحت الأشعة الساطعة لشمس مصر منظراً ساطعاً باهرا في حركته، وكان الماء المتحرك بكل قوته يضئ ويبرق كأنه فضة خالصة، أو شمس كسرت آلاف الأجزاء
لقد كانت الزوارق ثقيلة بمن عليها وأبراجها مليئة بالعابرين، وفوق سطحها يجلس الرجال والنساء والأطفال متربعين، تلك الجلسة العزيزة لدى الشعب المصري. ولدى رؤيتهم يخيل إلى المرء أنهم قضاة أوزيريس، لولا أن منظرهم لا يدل على التأمل، وهو سمة قضاة الموت، بل على العكس يشعر بأقصى ما يكون من السرور
في الحق أن فرعون عاد منتصراً، يقود معه عدداً ضخما من الأسرى؛ فطيبة غارقة في السرور، وشعبها قد خرج بأجمعه إلى المحبوب أمون رع رب التيجان، مدبر المملكة الطاهرة، القدير على كل شئ إله الشمس، منظم شئون العالم
على الجانب الغربيّ للنهر، لم يكن الازدحام أقل شدة من الشاطئ الشرقي، وقد جاء سكان أحياء ممنون والقرى المجاورة، وفي كل لحظة تحمل الزوارق أناساً جدّوا ترسو بهم فوق الأرصفة فتزيد كثافة الجمهور، بينما العربات التي لا تعدّ تشقّ طريقها إلى ميدان العرض، وتضئ عجلاتها كأنها شموس بين الغبار الذهبي الذي تثيره. لقد صارت طيبة في هذه اللحظة خراباً، كما لو أن فاتحاً قاد شعبها أسيراً