وأما تنسيق ندوتها وما يجد فيها من رياش وأثاث ورياحين فكان حديث فتيات قريش. فما من فتاة إلا وتزور هذه الندوة لتنظر ما أستجد بها مما أبدعته قريحة سكينة لتقلدها في ذلك.
فإن السيدة سكينة هي سيدة نساء عصرها على الإطلاق. كانت أحسنهن عقلاً وأظرفهن وأعلمهن وأعلاهن مقاماً وأرفعهن أدباً. تجالس الآجلة من قريش ويسعى إلى مجلسها أصحاب العلم وأرباب الفن يستمعون إلى محاضرتها أو يلتمسون صلتها. كما كانت تطرح عليهم الأسئلة وتجادلهم بما يقولون وتنتقد آراءهم ولا تخشى في الحق لومة لائم؛ ولهذا نرى قاصديها يحسبون لها حساباً. وهكذا تألق هذا النجم في سماء المدينة وظل يهتدي به حتى سنة ١١٧هـ
وفاتها
وفي صباح يوم شديد الحر فاضت روحها وانتقلت إلى جوار ربها. خرج النعش يتهادى بين الجموع المحتشدة والقلوب الخاشعة والعيون الدامعة. ولكنها (حتى على الموت لا تخلو من الحسد) فإن أمير المدينة خالد بن عبد الملك أمر أن يؤخروا الصلاة عليها حتى يحضر وجلس الناس حولها حتى العشاء ولم يحضر؛ وغلبهم النعاس فأوقدوا حولها عوداً بأربعمائة دينار وصلوا عليها جماعات جماعات. وفي صباح اليوم التالي دفنوها ودفنوا معها العلم والأدب والفن.
أقفرت الدار من سكينة فلا شعراء ينشدون، ولا علماء يتجادلون، ولا رواة يحدثون، ولا أدباء يحتكمون.
(أضحت خلاءً وأضحى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لبد)