أما الأساس الثاني فهو وضاءة الشاعرية التي توشك أن تطبعه بطابع خاص يكسب قصيدة عذوبة في الجرس، ورقة في الصياغة، وأناقة في اختيار الكلمات التي تطالعك كالعروس في جلوتها. ومن منا لم يطرب لروعته الموسيقية وفتنة التركيب وحسن الاختيار الموفق للبحر الذي نسج منه الجندول والروعة اختتامه بعض أبياتها بكلمات توشك أن ترقص من رقة النغم. . . مثل (خمرة، ثغرة، عبرة، أثرة. . .) إن القارئ ليوشك أن يجد نفسه مترنما مرتلاً لتلك الأبيات التي تتوجها هذه الكلمات في غير ما شعور وبغير إرادة
تلك هي الحيوية الموسيقية عند ملاحنا التائه. وإنها لتملك عليه حواسه وتنظمها وتسيرها فتراه وقد تأمل في مظاهر الجمال، وبواعث الشعر تتوافر على حسه المشاعر، وتتوالى على قلبه العواطف فلا يسعه إلا أن يعبر عن هذه العواطف المنثالة المتدفقة في أنغام تجمع بين صدق العاطفة وتدافق الحس. . . وهو حينئذ يحس أن يعبر في مقاطع رنانة قصيرة تعطي للقارئ فكرة سريعة الانتقال النفسي الوجداني. . . أنظر إليه وقد تدفق قائلاً في عاطفة متدفقة تظهر جلية في تدافع النغمات في كلمات. . . (دعوات) و (فرحة) و (نشيد). . .
مهرجانٌ ممالك الشرق فيه ... دعوات، وفرحة، ونشيد!!
وإن ذلك ليظهر أيضاً في قوله:
وسلمت يا مولاي للوطن الذي ... بك يستظل، ويستعز، ويسلم
فقد تزاحمت وتواترت الخواطر والأحاسيس فهتف قائلاً (بك يستظل)، ثم تدفق مغرداً (ويستعز)، ثم صاح منشد (ويسلم). ومن هذا قوله:
وثمة ناحية أخرى جديرة بالتأمل أخطأ فهمها بعض الناس. . . وهي ميل ملاحنا التائه إلى تكرار بعض الصور والألفاظ مما جعل بعض مراض القلوب يتوهمون أن ذلك وليد قصور في التخيل وضيق في الأفق. . . وما ذلك من الحق في شئ. بل إننا لننظر إلى الأمر نظرة المتأمل فنقول: التكرار عندنا نوعان. . . تكرار يوشك أن يقتصر على مرتين أو ثلاث، وتكرار لا تحدّه أرقام فهو طليق طلاقة الحس المعبر. . . والأول نراه من مظاهر