للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتصفيق. .

قام صاحب مسك الختام، وألقى في اول كلمته ما يناسب المقام، ثم. . . ثم مإذا؟. ثم استجمع قواه، وشد من اعصابه كما يتجمع من يهم بالقاء قنبلة داوية، وأراد ان يلقيها كلمة صريحة فلم تطوع له نفسه أن يقذف بها صديقا أعز عليه من نفسه، ولكنه أرسلها مبهمة تأخذ النفس في استجلائها رويداً رويداً فتأنس لها ولا تنفر منها نفورا كبيراً. . إذن ماذا قال؟ قال! (ألما يزل في ابريل، ذلك الشهر الطويل، شهر الكذب والتضليل) وسكت. . . هنا ذهبت نفوس المحتفلين غير المتآمرين وأولهم الشاعر في تأويل ذلك الذي قيل كل مذهب، وأخذ الشك يدب إلى يقينهم، رويدا رويدا، كما يدب غسق الليل إلى وضح النهار حين الغروب،. . . ولكن مازال في الافق بصيص من نور، وفي النفس ذبالة من أمل، لقد اطفأه ظرف الخطاب (أنسيت الخطاب المزيف؟) الذي عرض على الجميع بين الدهشة والاستغراب، فوجدوا ان خاتم البريد هو لمكتب البلد الذي به صاحبنا ن غير انه ختم به مرتين ذلك الخطاب الذي لم يحظ بركوب القطار. . . وإذن كان ظرف الخطاب، هو فصل الخطاب، قطعت به (جهيزة قول كل خطيب) وصاح الجميع في نفس وأحد، ابريل. . . ابريل، كذبة ابريل! لقد مثلت أجود تمثيل، فكانت كذبة رائعة محكمة، وكانت مفاجأة لذيذة متعة. فهل كانت كذلك في نفس شاعرنا الكريم؟ الجواب والمعنى في بطن الشاعر كما يقولون. فوجئ صاحبنا بكذبة ابريل، وانت ادرى ما يحوم حول المفاجآت من تكبير وتهليل.

آفاق الشاعر من حلم لذيذ، دام من الثامنة صباحاً إلى العاشرة مساء، على صوت قذيفة هذه المفاجأة الصارخة، وانهار في لحظة واحدة من الواقع ما بناه الخيال والوهم من صروح في ساعات وغار البشر في ظلام العبوس، ودفنت النشوة في وجوم الدهشة، وأرسل صاحبنا قهقهة عالية عصبية؛ أمن الغيظ أو الكذب أو الغفلة؟ لا ادري! ملأ السامرون حجرة السمر بصوت مزيج من التصفيق الانتصار، وضجيج الدهشة، وصياح الانكار، وضوضاء الفرح، ونشيج الامل.

فكيف كان موقف شاعرنا؟ تكلف وسط هذا الموج الصاخب أن يظهر بمظهر الرجل الثابت الذي يقابل الخطوب بابتسام. والأكاذيب بابتسام، وهتف من اعماق نفسه (الا لعنة الله على

<<  <  ج:
ص:  >  >>