الآلات من بين هذه العاصفة الأرضية التي أثارتها عربات الحرب والمشية المتزنة للرجال من المحاربين؛ وقد ملأ هذه الناحية من السماء غبار مصفر كهذا الذي تثيره ريا ح الصحراء؛ ومع ذلك كان الجو راكداً فلم تكن تهب نسمة واحدة؛ وأدقُّ سعف النخل ظل ساكناً لا يتحرك، كما لو كان منحوتاً من الجرانيت على رؤوس أعمدة من الصخر؛ ولم ترتعش على الخدود الندية للسيدات شعرة واحدة، والعصائب المزخرفة التي زينهن بها الحلاقون تمتد متكاسلة خلف ظهورهن
هذا الغبار الناعم قد أثاره الجيش وصار فوقه كسحاب أشقر زادت الضوضاء، وانشقت عاصفة الغبار، وبدأت الصفوف الأولى من الموسيقيين تبدو في الميدان الواسع لتنعش الجمهور الذي بدأ من الانتظار تحت شمس تذيب الجماجم إلا جماجم المصريين
وقفت طليعة الجيش من الموسيقيين بضع لحظات، وأخذ جماعات القسس والمنتخبون من أعيان مدينة طيبة يعبرون ميدان العرض ليستقبلوا فرعون، واصطفوا على هيئة سياج، عليهم أعظم مظاهر الاحترام، وتركوا الطريق حرّاً لمرور الموكب
لقد كانت الموسيقى التي تستطيع وحدها أن تكِّون جيشاً صغيراً، تتألف من الطبول والطنابير والأبواق والصلاصل
مرت الفرقة الأولى تغني لحناً مدوياً هاتفاً بالنصر، في أبواق قصيرة من النحاس اللامع كأنه الذهب، وكل واحد من الموسيقيين يحمل نفيراً آخر تحت إبطه، فكأنه الآلة هي التي تتعب لا الرجل
كان زي هؤلاء الجند مكوناً من نوع من السراويل قصيرة، مضمومة بمنطقة طرفاها العريضان يتدليان إلى الأمام، ومن عصابة غرس فيها ريشتان من ريش النعام، مختلفتا الاتجاه، وهذه العصابة تضم شعرهم الثقيل ووضع الريش كذلك يذكرنا بقرون الجعارين، ويمنح الذين يتزيون بها منظراً غريباً كالحشرات
وضاربوا الطبول يلبسون دروعاً مثناه فحسب، ويضربون بقضيب من خشب الجميز جلد حمر الوحش لطبولهم المعلقة بحمالات من الجلد، متبعين النسق الذي يعينه رئيس لهم يضرب بكفَّيه وكثيراً ما يتجه إليهم
تأتي بعد ضاربي الطبول اللاعبون بالصلاصل، هؤلاء يهزون آلاتهم بحركات عنيفة