الصفوة من أبناء الأزهر ودار العلوم ومن تلمذ لهم، لأن الذوق الأدبي عندهم هدى من الوحي الإلهي أنزله الله في القرآن، وأرسله في الأدب؛ فجرى في النفوس المؤمنة مجرى العقيدة لا يحسن في مكان دون مكان، ولا يصلح لزمن دون زمن
ولكن أصحاب الذوق السقيم يرمون أصحاب الذوق السليم بالقدم والتقليد؛ كأنهم يجهلون أن الجدة والأصالة إنما تكونان في العبقرية لا في الذوق: تكونان في الفكرة والعاطفة والصورة، وفي ابتكار السمات للطبع، والحركات للنفس، والنزعات للهوى؛ وفي استنباط الوسائل للإقناع والإمتاع والتأثير والتشويق والإفادة؛ وفي ابتداع الكلمة الصادقة الشاعرة والجملة البارعة النادرة والأسلوب الحي الذي يلائم الموضوع ويوائم الطبيعة. بذلك استطاع الجاحظ أن يكون غير أبن المقفع، وابن العميد غير الجاحظ، والبديع غير ابن العميد، وأبو نواس غير مسلم ابن الوليد، وأبو تمام غير أبى نواس، والمتنبي غير أبى تمام، وأبو العلاء غير هؤلاء جميعاً؛ ولكن الذوق الذي جمع فهم وفرق بينهم ظل واحداً لا يكاد يختلف
كان المخلصون للأدب في عهد انتشاره وازدهاره يجعلون من ثمار القرائح موضوعاً للنقد الدقيق الصادق، فيؤلفون الكتب في الموازنات، ويعقدون المجالس للمناظرات، ويضعون الموازين القسط للكتاب والشعراء، فلا ينبه شاعر لجاهه، ولا ينبغ كاتب لمنصبه. أما النقد اليوم فأكثره زور وعبث. هو في أغلب الأمر رأى يصدر عن مجاملة أو جهالة، ثم ينتقل من فم إلى فم، ومن مجلس إلى مجلس، ومن بلد إلى بلد؛ والناس في عصر السرعة الآلية والثقافة الضحلة يأخذون الرأي من غير تمحيص، ويعطونه بدون اكتراث. فهذا الكاتب في رأيهم زعيم الكتاب لأنهم يقرءون اسمه في كل صحيفة، ويسمعون ذكره في كل مناسبة! وهذا الكتاب في زعمهم زعيم الكتب لأنه قرر في المدارس أو انتشر في الأيدي أو تحدث به الناس! أما أن ينقدوا الكاتب أو يقرءوا الكتاب فذلك شئ لا يقع في الهوى ولا يدخل في الاختصاص. ومن هنا كان الرأي العام الأدبي في مصر قائماً على التقليد والمتابعة؛ ومن التقليد والمتابعة لا يولد ذوق خاص، ولا يوجد رأي مستقل
إن مستقبل البلاغة منوط بتغلب الذوق الطبيعي المأثور على الذوق المزيف المستحدث. وإذا قلت إن سلامة القومية المصرية موقوفة كذلك على هذا التغلب لم تعد الحق؛ لأن