وإن في المدرسين أنفسهم من يصعب عليه الإنشاء، ولعله يصعب أيضاً على بعض المفتشين! فمن الواجب أن يراض التلميذ على الكتابة والخطابة رياضة جدية وأن تكون قدرتهم على هذين الفنين أول ما يهم المدرسين
وقال الأستاذ منصور سليمان: إن تعليم الإنشاء في المدارس المصرية قد ابتلى بآفة قبيحة، آفة مموقة للفكر، وهي الحرص على الزخرف وعلى الإطناب في جميع الموضوعات. وقد رأيت في أحوال كثيرة أن التلميذ يثاب على التطويل بأكثر ما يثاب على التدقيق. ومن هنا شاع القول بأن اللغة العربية تمتاز بالتهويل والإسراف. وشكوى المدرسين من التعب في تصحيح دفاتر الإنشاء لا تستحق أي التفات، لأنهم مصدر هذا التعب، فهم الذين يوحون إلى تلاميذهم أن الإطالة من علائم البيان
مشكلة الإنشاء
كلام الأستاذ منصور سليمان يتيح الفرصة لأن أفضل رأي في هذه المشكلة، وهي مشكلة أساسية، فما الذي دعا إلى ضعف التلاميذ في الإنشاء؟
السبب الأول هو سيطرة المدرس على لغة التلميذ، ومعنى هذا أن المدرس ينتظر دائماً أن يعبر التلميذ عن غرضه بألفاظ مخزونة في ذاكرة المدرس
وتصحيحات بعض المدرسين تؤيد هذا القول، فهم يدورون حول ألفاظ أعدوها لكل موضوع، وهم يسجلون بالقلم الأحمر تلك الألفاظ تسجيلاً يظهر أثره في جميع الكراريس
بعض المدرسين يملون على تلاميذهم ألفاظاً وتعابير تصلح لكل موضوع، كما يزعمون، وهي طريقة عقيمة، ولا يعتمد عليها غير المدرس الببغاء!
السبب الثاني هو تحكم المدرس في عقل التلميذ، فهو يطلب منه أن يفكر كما يفكر، وأن يرى الدنيا بعينه ويسمعها بأذنيه، ولا يخطر في باله أن كل تلميذ له تصور خاص، وأن التلاميذ يختلفون في الأفكار كما يختلفون في الملامح
وقد يتفق أن نرى التلاميذ في الموضوع الواحد يثبتون أقوالاً وآراءً مقتربة كل الاقتراب، فنفهم أن المدرس أنزل عليهم الوحي الكاذب أو الصادق، وكنا نرجو أن يفكر في تقوية مواهبهم تقوية سليمة، وذلك لا يتم بغير دعوتهم إلى شرح ما يعتلج في صدورهم من المعاني والأغراض شرحاً لا تهيمن عليه قوة خارجية