به عن غير علم، وجفاء ما شقشقوا به بغير هدى ولا كتاب منير. . . ويدعي الخراصون أن صاحب شهرزاد قد أصبح أنانياً، وذلك أنهم قالوا إنه غضب لأن زميله في القصر المسحور قد كتب في (شهرزاد) كتاباً مستقلاً ترجم به عن أحلامها؛ كأن شهرزاد لم تكن موجودة منذ قرون ثم وجدت، أو كأنها شئ من ابتكار هذا الجيل فلا يصح إلا أن تكون حبساً على فلان أو فلان من زعماء الأدب الحديث. . . ولو عقلوا لتأدبوا أولاً، ثم لعلموا أن الوقعية على هذا النحو شئ خسيس لا يليق بكرامة نهضتنا ثانياً، ثم لذكروا أن صاحب شهرزاد ليس أنانياً وأنه صاحب فطنة ونباهة، وأنه ليس من الخفة بحيث ينطلي عليه ما زعموه له من السرق
وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمي. . . . . .
ومختلف جداً ما جاء في شهرزاد وما جاء في أحلامها، وشهرزاد تلك مغايرة لهذه في طبيعتها وفي خلقها. وفي شهوتها البهيمية وفي وسائلها وفي أصحابها، وفي الملعب الذي شهد حياتها مذ وجدت ومن قبل أن توجد، بل هي مغايرة لهذا في كل شئ؛ حتى في الهواء الذي تنفسته. بل هي مغايرة لها في كل شئ حتى في المؤلف الذي كتبها، وفي القلم الذي كتبت به. . . وإلا فأين عدو المرأة من صديق المرأة؟ وأين الرجل الذي يعد المرأة دمية، من الرجل الذي يعدها نصف هذه الحياة على الأقل؟ أين الرجل الذي يحسب أن المرأة مما يستخف اللعب به، والإزراء عليه، ووضعه في إطار لتعليقه فوق جدران الصالونات، من الرجل الذي يعرف أن المرأة خلقت لما هو أسمى من اللهو، وأهم من اللعب، وأقمن بالجد! نحن هنا نقول لا لنغضب أحداً، ولا لنرضى أحداً. . . فأمامنا رجلان لكل منهما مؤلفات ولكل منهما كتب، ولكل منهما مذهب في الأدب لم يعد من الهين السهل إنكاره أو تجاهله. . . أما أحدهما فيباهي بأنه عدو للمرأة، فهو دئب في الإزراء عليها والتنديد بها والغض من نصيبها في الحياة، وأما الآخر فهو في الجانب الآخر من صاحبه، لأنه يعد المرأة شيئاً عظيماً جداً إن لم يكن أهم من كل شئ، فهو دائب في الإشادة بها، والثناء عليها، وإحلالها المكان الذي يسمو فوق الرقاعات. والعجيب أن كلا الرجلين في مركز يبيح له ذلك، فالأول غير متزوج وليس له أبناء، ولم يقع على كاهله من مسئوليات الحياة ما يفسد عليه طريقته في التفكير التي قد يراها حقاً، ويراها الناس بلاء. ثم هو لم يعرف هذا الشعور الأبوي