للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجليل، ولم يسمع بعد مخلوقاً ظريفاً فصل عن قلبه يناديه ذلك النداء الثمين: (بابا!) أو باللغة العربية الفصحى: (يا أبي!) ذلك النداء الذي يوشك أن يكون الفرق بين الرجلين، والذي هو خليق أن يغير الوسيلة التي يفكر بها كل شخص في هذا الوجود. أكتب هذا يا صديقي عني. . . أكتبه عن فاتنة. . . أكتبه معتقداً أنه الحق، وهو بذلك لن يغضب أحداً ولن يرضي أحداً. . .! إن لم يرض الجميع. . . فأكبر الظن أن الجميع عقلاء. ثم هذا هو الوضع الصحيح لكلا الرجلين. فأي غضب وأي رضى، وأي سخط وأي بشاشة؟ لماذا يسخط صاحب شهرزاد إذا غضبت شهرزاد الحكيمة الحازمة حين ترى كاتباً يسلم جسمها للعبيد السود، ويدعي أنها هي التي تصنع هذا وتتشهاه راضية! لقد حق لشهرزاد أن تثور وأن تسخط إذا كانت شهرزاد رمزاً للمرأة في كل زمان ومكان. لقد حق لها أن تثور وأن تسخط إذا كانت حقاً رمزاً لبناتنا وأخواتنا وأمهاتنا وزوجاتنا. . . بل رمزاً للمخلوقة المقدسة التي تصنع سعادتنا وشرفنا وتبنى منزلنا وتغدو أرواحنا، وتقيم لنا حياة العزة التي نصبو إليها ونحلم بها، وتملأ دائماً خيالنا وتستأثر بعبادتنا لأنها من الله بل هي جماع ما يأمرنا به الله. . . شهرزاد هذه تغضب أشد الغضب، وتثور أعنف الثورة إذا انحط بها كاتب إلى صفوف العاهرات. وكل رجل لا يغضب معها ويثور لثورتها هو زوج فقد نخوته، أو أب لا يهمه شرفه، أو أخ ليس فيه مروءة، أو أبن معدوم المجدة، أو قريب ليس عنده نحيزة. . . ولا يصح أن يكون هؤلاء آدميين إذا أخذوا بوجهة النظر الخسيسة

هذه في شهرزاد. . . حينما تكون شهرزاد رمزاً للمرأة. . . ثق يا صديقي أن أحداً لن يغضب من هذا الكلام الذي تقوله بلساني، لأن أحداً لا يرضى أن ينتسب إلى هذا الصنف من صنوف شهرزاد إلا إذا كان فسلا أو أفيكا أو مدخولاً في عقله. لن يرضى أحد أن ينتسب إلى هذا الصنف من صنوف شهرزاد بأبوة أو أخوة أو بنوة أو قرابة. . . واليوم الذي يرضى فيه أحد بشيء من هذا هو اليوم الذي تنعكس فيه معايير الأخلاق وتكون الفضائل والرذائل صفات اعتبارية وشعبذات لا قيمة لها إلا في إفهام النوكي والقعاديد. . . وإذا صح أن يكون الناس قد صاروا نوكى وقعاديد، صح أن تؤلف لهم قصة عن شهرزاد تهدف بالمرأة إلى هذا الهدف الوضيع الذي يجعل بيوت الناس مواخير فسق، وأسواقاً للبغايا. . . هاأنت ذا تشيع في وجهك حمرة الخجل يا صديقي لمجرد ذكر هذه الألفاظ التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>