تنجح الحرب الخاطفة إلا عندما كانت أغراضها في الميدان داخل نطاق مجهودها؛ فالقوات الألمانية التي اخترقت سيدان توقفت بعد بضعة أيام عند المانش، وتلك التي هاجمت (سكولبي) توصلت بعد بضعة ساعات إلى قلب مواصلات البلقان وقبضت على محورها العتيد؛ وعلى عكس الرأي السائد، لا تبقى الدبابات في المقدمة طوال المعركة، بل إنها بمجرد اختراقها الاستحكامات الرئيسية ترتد إلى الخلف كاحتياطي ثمين، لا يستعمل إلا للضرورة القصوى عندما تصمد بعض الموانع الطارئة في طريق المتقدمين المكونين من (وحدات راكبة).
إن أول ما واجه الألمان من العقبات في روسيا هو انبساط المساحات، فرموا إلى التغلب على ذلك بتقسيم هجماتهم على دفعات، أهداف كل هجمة مراكز المواصلات القريبة منها، إذ باحتلال هذه تشل حركة إعادة تنظيم الصفوف الروسية في ميدان القتال بينما يكون الألمان قد أسرعوا في إعادة الاستعداد للخطوة التالية، وهكذا دواليك. وقد ساعدهم مساعدة كبرى مجهود الدكتور (فرتز طود) الذي خلفه (شبير) بعد وفاته في إنشائه، أولاً فأولا، خطوطاً خلفية للمواصلات، مقاطعة لاتجاه الزحف، فأصبحت القوات الألمانية قادرة على الانتقال من قطاع إلى قطاع تبعاً لمقتضيات الحال دون كبير عناء.
زحفت الجيوش الألمانية حتى احتلت روسيا البيضاء وجزءاً من أكرانيا؛ وكانت الفصائل الروسية، في حالة انعزالها عن بعضها البعض، تقاوم مستميتة بدلاً من أن تستلم مستيئسة، وذلك لأن الروس كانوا قد فطنوا الحقيقة بديهية، هي أن المناطق المزدحمة بالمساكن خير ما يقاوم نطاح الدبابات، فعملوا على أن تكون فصائلهم مكيفة بمئونتها وذخيرتها، لا تحتاج إلى أن تمون أمداً من الزمان، فما تكاد تحس بخطر التطويق حتى ترتد إلى وكرها المخصص وتنكمش فيه، مدافعة عن نفسها في كل اتجاه، محتفظة بعدد مناسب من الدبابات، تدفعه إلى الخارج من حين إلى حين، مقطعة مواصلات العدو، مربكة إياه، لا يكاد يعرف أهو الذي أحاط بها أم هي التي اندست في جوفه، وهل هو الذي فصلها عن قواعدها أم هي التي تعارض سيل تموينه، يهاجمها بمشاته المختارة فتشتتهم بدباباتها، يحاول اقتحامها فتصليه ناراً حامية؛ فيضطر أخيراً إلى إخراج ما في جعبته من دبابات وطائرات منقضة فيلقى هذا الاحتياطي الثمين في صميم المعمعة، تلك الدبابات وهذه