للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الطائرات التي كان يود أن يحتفظ بها للأوقات العصيبة، يطلقها الآن من معاقلها على نقط متفرقة متناثرة، كل نقطة منها تستلزم لإخضاعها اشتباكاً عنيفاً، خسائره مرتفعة ونتائجه الإيجابية فقيمة، ولكنه إن أهملها انقلبت عليه شراً وبيلاً.

إذا أشرفت عندئذ القوات الزاحفة في المقدمة على استحكامات جديدة تلتفت لدباباتها، فتجد أنها منشغلة عنها في مائة معركة صغيرة، فيعجز الجيش عن شق طريقه إلى الأمام حتى تعود إليه أسنته القاطعة، وهى لا تعود، أو قد تعود مضمحلة العدد مكلومة النصل، مستلزمة من العناية الكثير حتى تعود لسابق عهدها، ومن الزمن ما طال حتى يعاد تنظيمها.

توصلت الجيوش الروسية إلى تحويل سلاح العدو الاستراتيكي الأمثل إلى وحدات تكتيكية صغيرة، وفقدت الدبابة وظيفتها العامة وانقلبت منها إلى العمليات المحلية الخاصة، وهكذا انهارت دعامة الحرب الخاطفة. . .

أرجو ألاً يفهم القارئ أنى أقرر أن نجم الدبابات قد أفل أو قارب الأفول، فما أبعد ذلك عما أقول. . . بل الأمر بالعكس، فقد أصبحت الجيوش تطالب بأضعاف أضعاف ما عندها من دبابات، بل وحتى بتحميل المدافع الضخمة على الجرارات، فإذا ألقت ببعضها في الاشتباكات لمحلية، تبقى لها البعض الآخر لمتابعة التحركات الاستراتيكية

لما أتى الصيف الماضي تراجعت القيادة الألمانية عن الخطط الخاطفة، وأحلت محلها خطة جديدة، قد يحسن أن نسميها بخطة (الكتل الميكانيكية)؛ لم تعد القيادة الألمانية تسمح لآليات الدبابات بالاستمرار في التقدم تاركة لها حرية التصرف، بل أصبحت تحدد أهداف هذه داخل نطاق ضيق حتى ينفسح لبقية الجيش الوقت الكافي لإخضاع مراكز العدو الحصينة المتروكة في الخلف، يهاجم هذه بقلاع متحركة من المشاة الراجلين داخل مثلثات من الدبابات الثقيلة ذات المدافع الضخمة والدروع السميكة

أصبحت تلك المراكز الروسية المنعزلة متحكمة في شبكة المواصلات، لأن مراكز المقاومة هذه تتجمع عادة حول القرى والمدن التي هي دائماً نقط التقاء الطرق وخطوط الحديد المتشعبة منها في كل اتجاه، وأصبح تأثيرها - كما رأينا - عظيما، وذلك لأن الجيوش الألمانية التي كانت في ذاك الوقت أحدث الجيوش تنظيماً وتسليحاً، لم تكن قد التفتت إلى اصطناع وسائل نقل للتموين تتحرك على جرارات، بل ظلت جميع وسائلها سيارات على

<<  <  ج:
ص:  >  >>