عجلات، ففي وسع الأولى أن تنفذ عبر أي أرض خلاء، أما السيارات فهي مرتبطة بالطرق المعلومة وخطوطها المرسومة.
والآن وقد بدأ الألمان يتقهقرون فهل تراهم إلى خطط الروس ملتجئون؟ لا أظن الأمر كذلك، إذ أن الروس انكمشوا في قراهم ومدنهم التي ولدوا وعاشوا فيها طول الحياة، فاندمجوا بارتدادهم إليها وسط الأهل والإخوان، ثم يجب ألا ننسى أيضاً أن القتال في الدور والمساكن يعتمد أكبر الاعتماد على سكانها المدنيين المسلحين بروح الكراهية والعداء لكل غريب دخيل.
سيطر على الحروب في روسيا من قديم الزمان عامل واحد هو هو لم يتغير ولم يتبدل، يقف دائماً أبداً حجر عثرة في سبيل كل مغير، وهذا العامل المؤثر إلى أبعد حدود التأثير هو روسيا نفسها بمساحتها الشاسعة، ولن يتمكن أي قائد مهما أوتي من مهارة وخبرة أن يتغلب عليها إلا عن طريقين لا ثالث لهما: احتلالها تماماً وهذا مستحيل، أو تدمير جيوشها وهذا أمر مستعص عسير.
ظن نابليون أن احتلال موسكو التي هي مركز شبكة المواصلات كاف لإيهان الروس، وغامر ففشل. . .، وحاول الألمان تحطيم جيوشهم في الحرب الماضية بهجوم عنيف، فأخفقوا أمام حيطة الروس؛ ثم تفتق ذهن الجنرال هوفمان عن خطة ما كرة، وهي سحب القوات الروسية إلى جيب ضخم بالانسحاب أمامهم فيندفعون وراءه، وقد أسكرتهم نشوة الظفر وذهبت بحذرهم الأول، فيطبق عليهم فجأة من كل جانب لإبادتهم عن آخرهم. وكانت خطته تستلزم إخلاء أراض فسيحة شرق ألمانيا أول الأمر، منها سيلزيا الغنية بمناجمها؛ فرفض هندنبرج احتمال تبعة ما قد يترتب عن هذا الانسحاب من نتائج مادية وأدبية في سبيل نتيجة مشكوك فيها، ولم يرض بتنفيذها؛ ثم أتى لودندرف فحور من الخطة قليلاً، وحصن حدود الأراضي المزمع إخلاؤها داخل نطاق ضيق، واحتج هوفمان وأشار إلى أنها تصبح عندئذ خطة عرجاء لا تجتذب من جيوش الروس إلا جزءاً يسيراً، ولكن لودندرف تمكن من إقناعه بأنها ستكون أقصى ما قد يوافق عليه هندنبرج. ولما نفذت الخطة الجديدة نتجت عنها (تاننبرج) حيث أبيد زهرة الجيوش الروسية. . .؛ وظل بعدها العملاق الروسي يترنح دون أن يسقط سنتين من الزمان، ولكن خطره العاجل كان قد زال،