اقتداره: ككثرة العطف وتكرار الحروف والكلمات والتراكيب والابيات الكاملة.
ولقد وقع شئ من ذلك في بعض اشعار الوصف العربي، ولكنه كان الهاماً محضا أو اتفاقا عارضا ساقت الشاعر إليه المصادفة السعيدة أو السليقة المجيدة، دون ان يعتمده أو يتكلف في صوغه عناء، ويقرأ القارئ العربي فيستطبيه ويعزو موقعه من نفسه إلى مجرد جودة معاينة وحسن تشبيهاته. ويجمل ذكر شئ من هذا القبيل للتمثيل والبيان:
ففي معلقته يصف أمرؤ القيس الليل في بيته المشهور
فقلت له لما تمطى بصلبه ... واردف اعجازاً وناء بكلكل
وفضلا عن جودة المعنى وحسن التشبيه في هذا البيت يزيد الوزن والتركيب الوصف المراد ظهوراً: فالبحر الطويل ذو الحركة الوئيدة وتكرار العطف بالواو يمثلان بطء مسير الليل ولجاجه في الاقامة وتماديه في الطول خير تمثيل، وفي بيته الآخر حيث يصف جواده بقوله:
مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل
نرى تتابع الصفات بلا فاصل في الشطر الاول، واستعمال الألفاظ الضخمة الخشنة في الشطر الثاني يمثلان توثب الجواد وسرعة انطلاقه وارتداده ومفاجآت حركاته تمثيلا جيداً يصرف النظر عن تشبيه بانحطاط الصخر من شاهق. وفي قول المتنبي:
أتوك مجرون الحديد كأنما ... سروا بجياد مالهن قوائم
خميس بشرق الارض والغرب زحفه ... وفي إذن الجوزاء منه زمام
نرى وصفا رائعا لجيش كثيف وئيد الزحف لكثافته، وليس في البيتين معنى كبير، وليس فيهما سوى مبالغة غير معقولة ولكنه البحر الطويل يمثل هذه الحركة البطيئة أتم تمثيل، هذا فضلا عن فخامة الألفاظ التي تخيرها الشاعر؛ ونرى البحر الطويل يؤدي مثل هذا الغرض ويرسم صورة أخرى رائعة في قول جميل
ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالاركان من هو ماسح
أخذنا بأطراف الاحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطى الأباطح
فهنا حركة الابل البطيئة واضحة ماثلة، وقد كان جميل ملهما حيث ذكر اسم كلمة أعناق في البيت الثاني فانها وحدها ترسم الصورة التي اراد: فان ذكر الجزء الأهم من الصورة،