ولكن الذي يعوز الحياة التعليمية في مصر هو التوجيه السديد، التوجيه الذي يُشعر المدرس بأنه مسئول أمام الوطن عن تكوين الجيل الجديد.
ومن الواضح أن هذا لا يتيسر إلا إذا تغيّرت النظرة الحكومية والشعبية للمدرس
ومعنى هذا أني أنتظر أن تكون أبوة وزير المعارف للمدرسين أبوة رفيقة إلى أبعد الحدود، بحيث يجهلون المدلول من كلمات العلاوات والترقيات والدرجات، لأن لهم أباً ينوب عنهم في فهم تلك الكلمات
حدثني صديق يساير مناقشات البرلمان بأكثر مما أصنع أن معالي الهلالي باشا قال في مجلس النواب: (إن وزارة المعارف هي وزارة الدرجة السادسة)
والعبارة صحيحة، وإن جاز أنها من الكلام المنحول
ونحن نقرأ من يوم إلى يوم أن الهلالي باشا مَعنيٌّ بتحسين أحوال المدرسين، وهذا الذي نقرأ ليس كلاماً يراد به الدعاية، وإنما هو صدق في صدق، فهذا الوزير يجب أن يكون له في وزارة المعارف تاريخ نبيل، وسيرى المدرسون بعد أيام أنه ضمن لهم طمأنينة تريحهم من القلق الذي يساورهم منذ سنين.
والمجال يسمح بتدوين الملاحظة الآتية:
كان يهمني في بغداد أن أسأل عن الطلبة الذين يتخلفون عن دروسي بدار المعلمين العالية، وكان الجواب دائماً أنهم تحولوا إلى المدرسة العسكرية، لأن مستقبلها مضمون
والحال كذلك في مصر، فالشباب عندنا لا يؤُّمون المعاهد التي تُعدّ المدرسين إلا بعد اليأس من دخول المعاهد التي تُعدّ الضباط والمهندسين والأطباء
ومعنى هذا أن يفهم الجمهور أن المدرس هو شخص فاتته المواهب التي تؤهل لتلك المناصب
وأقول بصراحة إن المدرس لا يصلح لمهنته إلا إن كان غاية في جمال الصفات الجسمانية والروحانية
ولن نظفر بمدرسين من هذا الطراز إلا إن ضمنّا أن تكون حياة المدرس في مثل حياة الضابط والمهندس والطبيب
ولن يكون هذا إلا يوم يفهم الشبان أن مهنة التعليم مهنة مجد، يقول الفرنسيون