إلى اللفظ دون المعنى، وولعوا بالألاعيب اللفظية التي سموها محسنات، وأوغلوا هذه الغثاثات على اجل فنون الشعر خطرا كالرثاء والنسيب فأسفت وانعدم فيها الحس والشعور؛ فرأينا شاعرا ينسب فيقول
ناظراه فيما جنى ناظراه ... أو دعاني أمت بما أودعاني
وآخر يتوجع فيقول:
لي مهجة في النازعات وعبرة ... في المرسلات وفكرة في هل أتى
وثالثاً يمدح فيقول:
وان أقر على رق أنامله ... أقر بالرق كتاب الأنام له
وليس في كل هذا التعبير عن شعور أو أداء غرض، وما هو إلا عبث بالألفاظ واقتناص للجناس والطباق والسجع، والتورية، وإنما أكثرت من هذه الامثلة الغثة لأوضح كم كان الشعر العربي يربح لو أن المجهودات التي صرفت في مثل هذا التحايل العقيم وجهت إلى تسخير اللفظ للمعنى، والاستعانة بهما معا على ابراز الوصف المقصود كما يصنع شعراء الغرب.
وليس في طبيعة اللغة العربية قصور يحول بينها وبين مجاراة اللغات الأخرى في هذا الباب، بل لها من الميزات ما يقدمها على غيرها: فهي كثيرة البحور التي تؤدي كل منها غرضا مختلفا، غزيرة الألفاظ الوعرة الضخمة والرقيقة اللطيفة التي توحي بخشونتها أو رقتها مختلف الصفات، غنية بالحروف السلسة اللينة والحروف الخشنة الجافية التي تطاوع الناظم القدير. ليس يعوز العربية شئ من ذلك وإنما يعوزها الجرأة من الناظمين بها والعزم والجلد.