للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن القول المعاد أن نلخص للقراء فكرة العبقري الأول الذي ابتدع فكرة قصص (ألف ليلة وليلة) والذي ابتدع من أجلها شخصية شهرزاد الرائعة، تلك الفتاة النابغة التي استطاعت أن تطفئ جذوة الحقد على النساء في نفس شهريار، وأن تنسيه مأساة زوجته التي أزهق بسبب خيانتها أرواح هذه الجمهرة من فتيات مملكته، والتي استطاعت مع ذاك أن تكسب حب هذا الملك المنقبض النفس، المكظوم الفؤاد، وأن تبادله ذلك الحب، وأن تجزيه عليه الوفاء والصفاء والإخلاص، كما استطاعت أن تردَّ عليه ثقته بالمرأة التي كرهها، ومحبته لها بعد البرم بها، وافتتانه بحديثها بعد انصرافه عن كل كلمة تنبس بها، فيكون له منها أبناء بررة، وأسرة مجموعة الشمل، فتتغير حاله خضوعاً لقانون الظروف، ونزولاً على مقتضيات الأحوال الجديدة. . .

هذه هي شهرزاد البسيطة غير المعقدة. هذه هي المرأة التي تعتبر، ويجب أن تعتبر، محور الحياة ومناط الفضيلة، ورحمة الله التي تذهب الأحزان، وابتسامة السماء التي تشرق في القلوب المكروبة فتغمرها بالسعادة وتفعمها بالرضى. . . المرأة التي تروض الطباع الجافية فتجعلها رخاء، وتحتال للغرائز الوحشية فتحيلها إلى اللين واليسر والصفاء.

أما شهرزاد الأخرى. . . تلك الهولة التي رمز بها صاحبها إلى المرأة في كل زمان ومكان. . . فهي لا تمثل إلا نفسها. . . إنها تمثل حلماً مريضاً يملأ خيالاً مريضاً. . . لقد تصورها صاحبها امرأة احتالت على الملك - على شهريار - بقصصها البارع لتنقذ نفسها قبل أن تنقذ جنسها (ص٤٠) كما صرحت بذلك للوزير وهي تحاوره وتداوره - هذه هي شهرزاد الأنانية الأثرة التي لا يصح أن تمثل إلا نفسها - أما شهرزاد التي تتشهى العبيد السود في المنظر الخامس، ولا تريد أن تشبع منهم، وتخون الملك من أجلهم، فمن من بنات حواء تمثل؟ مَن مِن جمهور بنات الإنسانية وأخواتها وأمهاتها تمثل هذه المرأة الساقطة الهلوك؟! هل تمثل إلا نفسها تلك المرأة التي تغازل الوزير في المنظر الثاني، ويستطيع حبها الدنس أن يعصف بنفسه - وهو الوزير المخلص - في المنظر السادس، وتكون نتيجة هذا الحب أن يقتل الوزير نفسه في المنظر الأخير حينما يكتشف أن شهرزاد لم تكن تتشهاه وحده، بل كانت تعبد (جسم) العبد أكثر مما كانت تعبد جسمه (ص١٣٨) ما هذا؟ ما تلك الصورة الشاحبة التي يخبئها صاحب شهرزاد للمرأة في مخيلته؟ لقد مسخ الصورة

<<  <  ج:
ص:  >  >>