لا مراء في أن علماء الأزهر القدامى، حملوا أمانة العلم، وأدوها أحسن الأداء، وضربوا للناس المثل الأعلى في الجد والنشاط، والتوفر على الدرس والتحصيل، وتطبيق أقوالهم الطيبة، على أفعالهم الحميدة، مع تغلغل في البحث، واستقلال في الرأي، وجهر بالحق، وسمو في الخُلق، ورضاً لم يخالطه سخط، وقناعة لم يتطرق إليها طمع، وإخلاص لم يشبه رياء.
لله درهم! نشروا العلم وأحيوا الفضيلة، وحافظوا على لغة الكتاب المنزل. فدرسوا وعلَّموا، وصنفوا وألّفوا، وفحصوا ومحّصوا، حتى تركوا لمن بعدهم ثروة كبيرة من التأليف في شتى العلوم، تعد بحق مفخرة لهم، في عصر كاد ينطمس فيه نور العلم، ويخبو فيه مصباح الفكر، لولا نفحة سماوية، وروح علوية إلهية. جزاهم الله عن العلم والدين خير الجزاء.
ومما تجب ملاحظته أن نفسية الأمة إذ ذاك، كانت أكبر معين للعلماء على أداء مهمتهم، وتبليغ رسالتهم على الوجه الذي سلف بيانه، والتاريخ أعدل شاهد على ذلك؛ وأن هذه النفسية قد تغيرت الآن تغيراً طغت فيه المادة على المعاني الروحية، وأصبح الناس لا يقدرُون العالم لعلمه وأدبه، أو سمو نفسه وطهارة قلبه وصالح عمله؛ بل إنما يقدرونه لمال أو جاه، أو منصب أو رياسة. ومن هنا وجب (أن تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا)، وأن تتغير وسائل تأدية الرسالة العلمية الدينية، طبقاً لروح العصر الذي نعيش فيه. وذلك ما سأبينه في رسالة الأزهر الجديدة.
نظام الأزهر الحالي
إن من ينكر نظام الأزهر الآن، كمن ينكر الشمس في رائعة النهار، ولا يجرؤ على ذلك إلا الجاهل المتعامي الذي لا يضير الشمس إنكاره، ولا يغيّر الحقيقة جحوده واستهتاره.
إن من يزور معهداً من معاهد الأزهر الابتدائية أو الثانوية، ثم يزور مدرسة من مدارس الحكومة الابتدائية أو الثانوية، المؤثثة على أحدث طراز - لا يرى فارقاً واضحاً بين المعهد والمدرسة، (إلا العمائم والطرابيش)
أما نظام الفصول الدراسية، ومقاعد الطلاب، وأدوات الدراسة: من مصورات جغرافية،