الكاتب يحاسب على المجاملات، ولا يطالب بالمجاملات، وأول طائفة خليقة باحترام حرية الرأي هي طائفة المدرسين، لأنهم دعاة الحرية الفكرية، ولأن واجبهم الأول هو خلق اليقظة العقلية، فما يجوز لأحدهم أن يعتب أو يغضب إذا رأى كاتباً يدعوه إلى التفكير في وزن ما درج عليه من طرائق التعليم، عساه ينتقل من حال إلى أحوال في الإفهام والتفهيم والشرح والبيان.
واجب المدرس أن يصغي لكل قول، وأن يحترم كل رأي. واجبه أن يدرك أن كل شيء في تجدد، وأن يفهم جيداً أن للتعليم سياسات تتغير من يوم إلى يوم، وأن التلميذ الواحد قد يساس في درس الأدب بغير ما يساس في درس الإنشاء، وأن التدريس هو في الأصل رياضة مختلفة المسالك والألوان.
وإذا ضاق صدر المدرس بما يقرأ أو يسمع من ضروب النقد، فعند من ننتظر رحابه الصدور ورزانة الأحلام؟
وتأذَّى فلان من أن يقال إن الإنشاء قد يصعب على بعض المفتشين. . . فما عيب هذا القول وفيه شيء من الحق؟
وبماذا نجيب إذا سئلنا عن جهود مفتشي اللغة العربية في خدمة الحياة الأدبية؟
هل يكفي أن يكون الكاتب كاتباً بالقوة لا بالفعل، كما يعبّر علماء المنطق؟
إن المفتشين رُفعوا إلى مراكزهم باسم التفوق في علومهم، فهل نلام إذا دعوناهم إلى زكاة ذلك التفوق؟
مصر غنية بالثروة العلمية، فهل نراها غنية بالثروة البيانية؟
وهل من الحق أن رجال التعليم عندنا أكثروا من الجهاد العلمي والأدبي إكثاراً ليس بعده زيادة لمستزيد؟
كم كتاباً صدر عن رجال التعليم في مدى عشر سنين؟
وما هذا الزهد في البحث والتأليف، الزهد الذي يسمح بأن تنتهي حياة الرجل قبل أن يدين أمته بكتاب جيد؟
إني أخشى أن يضيع زمام الحياة الأدبية من أيدينا إن تركنا الإبداع في الأدب، واكتفينا