حرية الرأي وتقديس حرية الرأي؟! على أن عميد الأدب قد احتاط للأمر، فلم يرسل هذا القول على عواهنه، بل كان حصيفاً حين قال في القصر المسحور (ص١٧) على لسان شهرزاد: (هو إذن هنا هذا الآثم!! ليعلمن كيف تكون الكتابة عن شهرزاد) وحين قال على لسانها أيضاً (ص٢١): (وسيجد عندي علم ما لم يعلم من أمر شهرزاد) وحين قال على لسانها ولسان غيرها من أبطال مسرحيته ص٥٧: (. . . كيف أعفو عن هذا الذي اتهمني فيما لا ترضى امرأة حقيرة أن تُتهم فيه.، فكيف بملكة كريمة مثلي متسلطة على القلوب خالدة على الأزمان. وقمر يقسم ما أضمر لمليكه غدراً ولا أدار في خلده شيئاً يستحي أن يظهره. والعبد - وويل لصاحبك من العبد - إنه ثائر فائر، إنه مرغ مزبد. إنه مبرق مرعد. إنه يريد أن يمزق صاحبك بأنيابه وأظافره. إنه لا يطيق التفكير في هذا الرجل الذي جعله صورة بشعة لأبشع ما يتسلط على العقول والأبدان، وهو يغريني ويحرضني، ويريد أن يضرم النار في قلبي، لولا أن قلبي أهدأ من أن تضطرم فيه النار. وهو يسألني كيف أترك الحياة لرجل صورني في هذه الضعة، وجعلني أهبط من أعلى عليين لأكلف بهذا المخلوق البشع الدنيء. . . والساحر يقسم ما سحر، والجلاد يقسم ما باع السيف لينفق ليلة هنية، وأبو ميسور يقسم ما أظلت حانته إثماً قط. . . حتى زاهدة تقسم ما عرفت سراً ولا سألت عنه ولا باحت به ولا اتخذت وسيلة إلى معرفته. . . فكل هؤلاء مغيظ محنق يلح على في أن أنتقم له، وأنتقم لنفسي من صديقك البائس المسكين. . . ومع أني كنت ضيقة به ساخطة عليه حين قرأت كتابه. . . الخ)
أرأيت إذن يا صاحبي كيف كان عميد الأدب العربي حاذقاً أشد الحذق حينما احتاط لنفسه وهو يدفع سخط الناقمين على مؤلف (شهرزاد)، فراح يبعث الطمأنينة على شهرزاد في نفوسهم ويعدهم برد شرف هذه الفتاة، وذلك بما قاله على لسانها في الصفحة السابعة عشرة والصفحة الحادية والعشرين والصفحة السابعة والخمسين من القصر المسحور. . . (ليعلمن كيف تكون الكتابة عن شهرزاد!). وسيجد عندي علم ما لم يعلم من أمر شهرزاد!) إي والله؟. . . ليعلمن كيف تكون الكتابة عن شهرزاد. . . وقد بر العميد بما أكد. . . فكتب أحلام شهرزاد، التي يجد فيها صاحبه علم ما لم يعلم من أمر شهرزاد. . . ولكن لهذا الحديث حينه، فخذ في حديث القصر المسحور.