للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلى أخلاق الحديد والنار، لا إلى الأخلاق المائعة الرخوة التي شاعت قبل الحرب الحاضرة في أوربا التعسة نتيجة للأدب المائع الرخو الذي سمم به الأدباء المنحطون أخلاق ذويهم فسمموا به كل شيء، وقضوا به على كل شيء. ونخشى أن تظن طائفة من القراء أننا نقصد إلى السب أو إلى ما يشبه السب حينما نذكر الأدباء المنحطين - كلا - ليس إلى السب قصدنا - ولكنا مخلصون جد مخلصين في إشفاقنا من أن يشبع الانحطاط في أدبنا الغض الحديث - والانحطاط مذهب من المذاهب الأدبية التي شاعت في أوربا بعد الحرب العظمى، فعصفت بأخلاقها وبدينها، ونشرت في ممالكها روح الرخاة والطراوة والاستهتار. ومن الإملال ضرب الأمثال فما تزال فرنسا بمأساتها الخلقية الدامية تنكأ القلوب لوعة عليها وأسى. وفرنسا هي البلد الذي كان يطلق لحرية الرأي العنان؛ فكان أحد الأدباء المنحطين إذا ضاقت به أرض بريطانيا، ولم تصرح له الحكومة البريطانية بطبع قصته الرخوة ولا ينشرها في المملكة أو في المستعمرات (أي والله في المستعمرات!) انطلق إلى فرنسا (بلد الحرية المطلقة) فطبع فيها كتابه؛ وقد يعيد فيه نظرة ثمة فيزيده رخاوة ويشيع فيه من الفاحشة ما يضمن له الذيوع والانتشار.

نحن نشفق إذن من الانحدار إلى مزالق الأدب المنحط لأننا فقراء إلى أدب القوة، وليس في الدنيا، في الوقت الحاضر، أمة هي أفقر إلى أدب القوة من هذه الأمة التي ذاعت فيها قصة شهرزاد بأبطالها المنحطين جميعاً. وبهذا العبد الأسود الخسيس الوضيع الذي لا تشبع منه شهرزاد ولا تريد أن تشبع منه.

قالت فاتنة: (وأكاد أنزلق بك يا صاحبي إلى الكلام في المذاهب الأدبية، مبعدة عن القصر المسحور. فإذا كان عميد الأدب العربي قد قالها قولة على لسان شهرزاد، هي، ليعلمن كيف تكون الكتابة عن شهرزاد. . . و. . . سيجد عندي علم ما لم يعلم من أمر شهرزاد. . . وقد جاء الوقت الذي بر فيه عميد الأدب العربي بما وعد، فأصدر قصته البارعة (أحلام شهرزاد) نافح فيها عن ذكاء المرأة وسموها وحسن مقاصدها، وجميل حدبها على الإنسانية وعملها المتصل على إسعادها. . . فإذا كان عميد الأدب العربي قد صنع هذا. . . أفيليق أن يتخرص الخراصون ويرجف المرجفون بأنه سرق من الأستاذ توفيق؟ وماذا - لا درّ درهم - سرق؟ إن طه لم ينحدر بالمرأة إلى البؤرة التي انحدر بها صاحبه إليها، بل هو قد

<<  <  ج:
ص:  >  >>