أكثر الأيام أربع صفحات، وعم النقص سائر الصحف والمجلات فأوشكت أن تصدر في ثلث عدد صفحاتها قبل الحرب الحاضرة
وكل هذا النقص تقابله زيادة في وقت القراءة عند من تعودوا مطالعة الصحف والمجلات في حجمها الأول، ولابد لهذا الوقت من شاغل يناسبه ويجري في مجراه
وإلى جانب النقص في الصفحات ألف الناس الأخبار التي لا يعرض لها كثير من التنويع والمفاجأة، وندرت المناقشات السياسية الق يشتد فيها الجذب والدفع والتأييد والتفنيد، وينشط القراء إلى متابعتها بحماسة التشيع تارة إلى هذا وتارة إلى ذاك، فأصاب القراء شيء من الفتور إلى جانب النقص في المادة المقروءة لو أنهم نشطوا إليها.
ومع هذا كله كثر الوقت الذي يتسع للقراءة لانصراف الناس عن السهر في خارج البيوت، إما لتقييد الإضاءة أو لقلة الجديد في دور الصور المتحركة ودور التمثيل
ومع هذا وذاك كثرت النقود بين الأيدي وتيسر شراء الكتب يالأثمان التي أوجبها غلاء الورق وغلاء تكاليف الطباعة، وقال الخبراء بشئون الاقتصاد إن كثرة النقود في الآونة الحاضرة دليل على رخاء صحيح وليست من عوارض التضخم التي تنشأ أحياناً من شيوع العملة الورقية؛ إذ الناس يبيعون محصولاتهم وتبقى معهم أثمانها في داخل البلاد، خلافا لما كان يحدث قبل سنوات من تصريف هذه الأثمان إلى خارج القطر بالسفر أو باستجلاب البضائع الأجنبية. فهذه الأثمان المحفوظة في البلاد وهي ثروة حقيقية مكسوبة من موارد حقيقة وليست بالثروة المصطنعة التي تنشأ من شيوع الورق النقدي بغير مقابل معروف
وخلاصة ما تقدم أن الإقبال على قراءة الكتب العربية يرجع إلى تحول بعض القراء من مادة إلى مادة، وإلى اتساع وقت القراءة، وإلى تيسير الشراء، ويدوم ما دام هذه الأسباب
فإذا ضعفت طاقة الشراء، أو ضاق وقت القراءة، أو توافرت المادة الأولى التي كانت متوافرة قبل سنوات، فقد يتغير هذا الإقبال، وقد تثوب الحال إلى ما كانت عليه من قبل، أو تتمخض عن حال جديد لم نعهده حتى الآن
هذا الحال الجديد الذي لم نعهده حتى الآن قد يأتي من ناحية واحدة معلقة على تيسير الورق وتيسير الطباعة
فإذا تيسر الورق وتيسرت الطباعة بقية أيام الحرب ثبت في البلاد العربية عادة يصعب