للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وعلى ضوء هذه الفكرة نريد أن نعرف المنهج المختار في سياسة التعليم فنقول:

أيهما أنفع: قراءة كتاب عن خزان أسوان أو زيادة ذلك الخزان؟

وأيهما أفضل: نظر الخريطة عشرين مرة أو رسمها مرة واحدة؟

وحفظ مقامات بديع الزمان أنفع، أم إنشاء مقامة على غرار تلك المقامات؟

ثم أثب إلى الغرض فأحكم بأن إنشاء عشرين سطراً أنفع في تكوين الذهن من قراءة كتاب، لأن الإنشاء يوقظ القوى النفسية، ويروضها على التفكير السديد

والتعليم الحق هو الذي يقضي بتقوية الملكات الإبداعية، هو الذي يخلق عاقلاً لا ناقلاً، وبين العقل والنقل مراحل طوال

وليس معنى هذا أني أغض من قيمة الاطلاع، لا، ولكن معناه أني أدعو إلى أن تكون سياسة التعليم قائمة على إعزاز قيمة الفكر عند التلاميذ، فلا يقرأ أحدهم سطراً إلا وهو يحاول أن يأتي بأروع منه وأبدع، ولا يسمع درساً إلا وفي خاطره أنه مسئول عن التعقيب عليه بالمبتكر الطريف

ما السبب في أن يكون الجو المدرسي غير محبوب في بعض الأحوال؟

لو أمكن جذب التلميذ بالعقل إلى جو المدرسة لتمنى أن تكون مأواه إلى آخر الزمان

ولكن التلميذ يُسأل عن المواظبة الصورية، ولا يُجذب إلى المواظبة الروحية

وفي العقوبات المدرسية أن ينسخ التلميذ صفحات من كتاب، وهذا النوع من العقوبة موجود بالمدرسة الفلانية، وهو عقوبة حقَّا وصدقاً، فما يمكن أن يؤذي التلميذ بأصعب ولا أعنف من أن ينسخ كلاماً هو عن فهمه غير مسئول

هرب الشيخ محمد عبدة من الدرس ورجع إلى الريف فأقام به ثلاث سنين، لأنه طولب بإعراب البسملة قبل أن يفهم الإعراب

ومئات من التلاميذ يحضرون الدروس بالجسم لا بالروح، فهم غائبون لأنهم لا يفهمون، وإن لم تفطن المدارس إلى تقييد ذلك الغياب!

ودروس القواعد دروس غير محبوبة، لهذا السبب، أعني أنها لا تقدم إلى التلاميذ مع التعليل، ولو عللت القواعد يذكر مراميها الأصلية لأحبها التلاميذ، لأن الحياة موجودة في إضافة لفظ إلى لفظ بغاية من القوة والجاذبية، ولكن أين من يفكر في التنبيه إلى تلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>