عرش أمة ليفرغ إلى رغباته ودنايا نفسه كما فعل شهريار الحكيم؟ أم كان ذاك الحاكم البر الحازم الحكيم الرحيم الذي حكم فعدل فأمن على شعبه كما أمن على ملكه ونشأني على خير منهاج يضمن السعادة لقبيله من الجن من بعده؟!
ثم شخصية هذا الطائف العجيب الذي كان يسْفر بالأحلام إلى شهريار ينبئه بموعد القصص الشهي الرخي الذي ترسله شهرزاد في أحلامها - ما بال هذا الطائف يا ترى؟
أما شهرزاد الحالمة فإنها من غير شك شهرزاد نبيلة كاملة، قامت بواجبها في تهذيب شهريار على خير وجه، وقامت بواجبها نحو وطنها على أحسن صورة، واحتفظت بسحر أنوثتها فلم تفسده بالتبذل، ثم هي هذا الملاك الحارس الذي أدعى وظيفته في الحياة كما ينبغي أن يؤدي كل مخلوق كامل وظيفته في الحياة. . . يأخذ بحظه منها ولا يجور على حقوق الآخرين. . . يعرف أن الحياة جد لا لعب، وهي مع ذاك جد يخفف جفوته لهو قليل برئ. . . لهو بالموسيقى التي تهذب الطبع، والغزل الحلال الذي لا ينحدر إلى أحضان العبيد، ولا يسف إلى اتخاذ الأخدان، ولا يسفل إلى أن يكون خداعاً وخيانةً ولغواً وتأثيماً. . . شهرزاد العميد هي هذا الملاك الحارس الذي أخذ على عاتقه إصلاح شهرياره في النوم وفي اليقظة. . . في النوم بإرجاعه إلى محجة الصواب كلما عاوده داؤه القديم فسأل عن سر شهرزاد، وشهرزاد مع ذاك تطلعه على شطر غير يسير من هذا السر، ثم تحتفظ لنفسها بشطره الآخر. . . الشطر الذي يبقى على سحر الأنوثة في المرأة ويجعلها شابة دائماً، جميلة دائماً، ساحرة دائماً. . . لأنها تعطي من نفسها بقدر، وتهب من ذاتها بمقدار، فلا تتبذل بكثرة البذل، ولا تمنح كل ما عندها كي تجد ما تمنحه طوال الحياة التي تربط الزوجين. . . وهي لذلك جديدة كل يوم في عين شهريار، لأنها تسقيه كل يوم كأساً جديدة. . . فإذا سألها:(ألا تنبئيني آخر الأمر من أنت وماذا تريدين؟). . . أجابت. (من أنا؟ أنا شهرزاد التي أمتعتك بقصصها أعواماً لأنها كانت خائفة منك والتي تمتعك بحبها الآن لأنها واثقة بك مطمئنة إليك وماذا أريد! أريد أن أرى مولاي راضياً سعيداً ناعم البال رخي العيش مبتسماً للحياة كما تبتسم له الحياة) فإذا أعاد بعد ذلك سؤاله، قالت له: (من أنا؟ أنا شهرزاد التي أحبتك قبل أن تعرفك كما لم تحب فتاة رجلاً قط، والتي خافتك حين عرفتك خوفاً لم يخفه إنسان إنساناً قط، والتي زفت إليك تتحدى الموت وتتحدى السلطان وتتحدى