أنسى نفسه في هذا العكوف، حتى أقبلت شهرزاد وقد ارتفع النهار. وسمعها تقول في صوت حازم باسم معاً:(لشد ما هانت عليك أمور الملك يا مولاي! هاأنت ذا تخلو إلى نفسك في زاوية من زوايا غرفتك كأنك فرد من أفراد الناس قد فرغ للفلسفة والتفكير. ألم تحاسب نفسك على هذا الوقت الطويل الذي أنفقته في غير شئون الملك! ألم يخطر لك أن للشعب حقوقاً يجب أن تؤدي إليه، وإن أوقات الملوك ليست خاصة لهم من دون الرعية؟)
قال الملك دهشاً. . . (يا عجباً! كأنما أسمع حديث فاتنة)
قالت شهرزاد ذاهلة:(فاتنة! فاتنة! ليس هذا الاسم عليّ غريباً، وأحسب أن لي بي عهداً قريباً)
قالت فاتنة:(فأنا إذن أتمم شخصية شهرزاد. . . بل أنا روحها الحالم. بل أنا شبحها الهائم. بل أنا غناؤها الباغم. بل أنا منطقها السليم، وسحرها العظيم. وتدبيرها الكريم. وقلبها الرحيم)
أما أبي. . . أما طهمان بن زهمان، فهو الذي أدبني فأحسن تأدبي، وهو الذي كان يخفق قلبه بمحبة شعبه فنشر المدارس بين طبقاته ليعلمه الديمقراطية، وهو الذي (رفع بعض النابهين من الدهماء إلى مناصب الدولة) مُعرضاُ نفسه لسخط الأمراء وكيد الشيوخ من رؤساء العشائر، فوصل من الديمقراطية إلى كثير مما كان يريد. . .
فشهرزاد وأبي طهمان وأنا. . . إنما نكون هذا الثالوث المقدس الذي ألفه العميد لتهذيب روح شهريار، ولإنقاذ هذا الروح من البرم والتوجس والتشاؤم الأسود الذي عصف به منذ خانته زوجه. وقد نجحنا في هذا، وبلغنا منه ما نريد)
قالت فاتنة:(فاسأل المرجفين إذن أين هو السَّرق الذي يدعونه؟ بل أين الشبه بين كل؟ أيكفي أن يسأل شهريار شهرزاد ما هي، وماذا تريد؟ ليكون هناك أخذ وسرق وسطو. . . أم يكفي أن تتذرع شهرزاد العميد ببعض الغموض إبقاء على سحرها وجمالها وأسرها، ليدعى الخراصون أن الغموض من (اختراعات!) الحكيم المسجلة فلا ينبغي لأحد غيره، وإلا سرق هذا (الغير) وسطا!
وبعد. . . فلندع هذا اللغو وذاك العبث، ولنطلب إلى عميد الأدب العربي مواصلة لياليه لأنها فتح جديد في أدب القصة، وقد قرأنا كلما ألف العميد بعد (الأيام والهامش) فلم نجده