أستمع إلىّ أقول لأبي وهو يحاورني:(. . . متى رأيت الملوك يقدمون على حرب لا تدفعهم إليها شهواتهم الجامحة وعواطفهم الحائرة؟ ومتى رأيت الشعوب تجنب هذه الأهوال وتعصم من الحرب لغير مصالحها المؤكدة ومنافعها المحققة. . .؟. . . إن أثرة الملوك والسادة والزعماء هي التي تثير الحرب دائماً وهي التي ترهق الشعوب دائماً. . .!)
فإذا قال لي أبي:(فقد كنت أرجو أن يهيئ لك علمك وحكمتك ابتكار لون من ألوان الحياة لا تشقى فيه الشعوب بسعادة الملوك والزعماء!. . .) قلت له في بعض الذي أجبته به: (فأنبئني يا أبت ما بال هذه الرعية لا ترفق بنفسها ولا تعني بأمرها، ولا تفكر في مصالحها، وإنما ندعوها فتجيب، ونأمرها فتطيع، ونوجهها إلى حيث نشاء فتتجه إلى حيث نشاء لا يخطر لها أن تأبى إذا بلغها الدعاء، ولا أن تعصي إذا صدر إليها الأمر، ولا أن تمتنع إذا وجهت إلى حيث لا تحب. . .؛ فما طاعتها لنا في غير روية ولا تفكير، بل في غير فهم لما تؤمر به وتقدير لما تدعى إليه؟. . .)
أرأيت إلى كيف مثلت الديمقراطية أروع تمثيل وأصدقه؟ وهل سمعت إلي أفضح الطغاة والمستبدين، وآخذ على الأمم المستضعفة رضوخها لهم وعدم الثورة عليهم، وطاعتها إياهم في غير روية ولا تفكير ولا فهم ولا تقدير؟!. . . وأنا مع ذاك الديمقراطية المتعلمة المثقفة التي لا تصدر عن الطيش ولا يتلاعب بها الرعاع. وليست هذه الديمقراطية التي تدخن القنب في حانة أبي ميسور، وتنام في أحضان العبيد، وترهن السيف لتقضي ليلة هانئة؛ لكنها الديمقراطية التي تثل عروش المستبدين وتقوم على الجد ولا ترضى العبث وترفض أحلام روَّاد الحانات التي يدخن فيها الـ. . . الديمقراطية التي انتصرت على قوات الشر (. . . وردت إلى شعوب الجن حقوقها المغصوبة وحرياتها المسلوبة. . . ومن يدري! لعل علم الجن أن يصل إلى الناس ذات يوم أو ذات قرن واضحاً جلياً لا لبس فيه ولا غموض؛ أو لعل عقول الناس أن ترتقي ذات يوم أو ذات قرن إلى حيث تفهم عن الجن في غير مشقة ولا جهد. يومئذ أو قرنئذ تصلح أمور الإنسان كما صلحت أمور الجان
قالت: (وعكف شهريار على نفسه يتدبر ما سمع ويستحضر ما شهد ويتذكر ما رأى، وكأنه