فغموضها هو من غموض السحراء والمشعبذين وأكلة الثعابين والذين يمشون بأرجل حافية على النار ورؤوس المسامير. . . لأن الذين يتفرجون بهذه الشعبذات يقفون حيالها مشدوهين صعقين لما فيها من غموض يذهل ألبابهم، ولا يدركون له كُنْها. . . أما ماذا وراء هذا الغموض، فليس وراءه شيء. . . ليس وراءه نفع قط. . . إن لم يكن وراءه ما يمكن كالأفعى الرقطاء في ظلمات نفس شهرزاد - شهرزاد الحكيم طبعاً - من شر وكيد وختل وخداع وخيانة وتدبير سيئ. . . ولهذا قالت شهرزاد في القصر المسحور وهي تتميز من الغيظ على توفيق الحكيم:(ليعلمن كيف تكون الكتابة عن شهرزاد!) ثم قالت: (سيأتيه علم ما لم يعلم من أمر شهرزاد!)
هذا فرق ما بين الغموضين، وللغموض نصيب عظيم من السرق الذي أرجف به المرجفون، وتخرص به المترخصون
أما فرق ما بين شهريار الحكيم وشهريار العميد فليس يحتاج إلى إسهاب ولا يفتقر إلى إطناب. وحسبك أن تذكر ما كان من غفلة شهريار الحكيم التي سماها معرفة، وسكوته على ما قتل بسببه وزيره نفسه حينما انسل العبد من مخدع شهرزاد. ذلك السكوت الذي سماه الحكيم فلسفة. ثم حسبك أن تعلم ما كان من سهر شهريار العميد على أمور رعيته، وحسن التفاته إلى تصريف أمورها، واضطلاعه بما يعود عليها بالخبر والنظام. . . حسبك هذا وذاك لتقدر أنت فرق ما بين الملكين
أما أنا. . . أما فاتنة. . . فإني كما علمت أبرع شخصيات الأدب المصري الحديث. . . إني أتمم شخصية شهرزاد. بل أنا روحها الحالم. . . بل أنا شبحها الهائم. . . بل أنا غناؤها الباغم. بل أنا منطقها السليم وسحرها العظيم وتدبيرها الكريم وقلبها الرحيم. . . بل أنا حدبها على الرعية، واستخفافها بالطغاة، وعذابها المسلط على الملوك المستبدين الذين ذاق بعضهم بأس بعض، وعذب بعضهم بأيدي بعضهم الآخرين. . . بل أنا هذه الديمقراطية العزيزة التي أجج لها الطغاة الآثمون تلك الحرب الطاغية الآثمة القائمة. . . الديمقراطية التي ترد الصواب إلى الفرد المغرور، وتعيد السلام إلى العالم، الجمال إلى الجنة. . . أنا الديمقراطية التي تبعث العزة في نفوس الأفراد، والكرامة في قلوب الشعوب، فلا يسميها الحاكمون بأمرهم الخسف، ولا يسلط عليها فرد واحد مجنون فيجعل أمنها خوفاً،