كأنها عادت هي الأخرى من ذكريات عزيزة حلوة، وقالت كمن يحدث نفسه: يا لها من طريق جميلة!. . . وقلت مؤكداً: حقاً! إنها طريق جميلة ساحرة. . . وكيف لا تكون جميلة ساحرة وقد ملكت عليّ مشاعري، فعشقتها من أول نظرة، وعشقت معها هذه البيوت القديمة التي تطل عليها، وهذه المساجد والمآذن التي تقوم على جانبيها، وعشقت هذا القليل من زرقة السماء الممزوج بالقليل من أشعة الشمس، بعد أن كنت أنظر إلى السماء والشمس فيبهرني جمالها ويعمى عيني فلا أتبين منه شيئاً! وشكرت السيدة الجالسة إلى جانبي لأنها حببت إلى كل هذا، وقادتني لرؤية هذا السحر والجمال.
هذه هي السيدة (ر. ل. ديفونشير) وهي سيدة وقور، يعرفها أغلب سكان تلك الأحياء القديمة الجميلة، ويقابلونها بالإجلال والاحترام. وهي من جانبها تسر لرؤيتهم، وتتحدث معهم باللغة العربية كأنها واحدة منهم. وقد اعتادوا - منذ عشرات السنين - أن يروها تمر في أحيائهم كل أسبوع، وفي صحبتها جماعة من نزلاء مصر، تقودهم ليستمتعوا بجمال هذه الأماكن الأثرية، ويدرسوا معالمها، ويتبينوا بأنفسهم مكان حضارة مصر بين حضارات الأمم الأخرى. ولا شك أننا مدينون لها بالشكر والثناء للدعاية الطيبة التي ما زالت تنشرها لبلدنا الذي عاشت فيه طويلاً وأحبته كثيراً. فقد تطوعت
- على الرغم من تقدمها في السن - أن تقود في أيام معينة فريقاً من رجال وسيدات القوات الحليفة الموجودة بين ظهرانينا، ليشاهدوا أماكن الحضارة المصرية من متاحف ومعاهد ومبان أثرية، ليلموا بالناحية الثقافية في مصر إلى جانب ما يجدونه فيها من وسائل اللهو والتسلية.
وقد ألّفت هذه السيدة الفاضلة عدة كتب عن مصر الإسلامية، يبحث بعضها في التاريخ، والبعض في فن العمارة، والبعض الآخر في نواحي تأثير الفن الإسلامي في الفنون الأوربية. أما كتابها الذي ظهر أخيراً (بناة القاهرة المسلمون) فهو يبحث في تاريخ مصر منذ الفتح الإسلامي إلى وقت الحملة الفرنسية (١٧٩٨م). وقد فصّلت فيه أخبار حكام مصر وولاتها وملوكها وسلاطينها، وما خلفوه من آثار وبنوه من مساجد ومدارس ومارستانات ونكايا وقناطر وحمامات وقباب ومدافن وغير ذلك من المباني.
وتكلمت في الفصل الأول من هذا الكتاب عن دخول العرب مصر، وولاية عمرو بن