إلى أساتذتهم ورؤسائهم، وما يبعثون من وفود إلى ولاة الأمور في الحين بعد الحين، لا هاتفة بالمال، ولا ملتمسة الرزق، ولكن هاتفة بالإصلاح راغبة في العلم النافع الذي يصل الأزهر بالحياة. ربما كان من الأوفق أن نترك هذا ونحوه الآن، وأن نلتمس ما نريد من الأمثلة في محيط غير هذا المحيط ليعلم الناس أي مدى بلغته دعوة الإصلاح. وإنا لفاعلون:
(١) قالوا: إن طائفة من أبناء الأزهر المخلصين، فيهم شيخ كبير يشغل منصباً هاماً من مناصب الدولة، وله صلة وثيقة بالأزهر، وفيهم وكيل لإحدى الكليات الأزهرية معروف بإخلاصه وغيرته وصداقته لفضيلة الأستاذ الأكبر، وفيهم شاب مثقف بالثقافة الإنجليزية إلى جانب ثقافته الأزهرية - ضم هذه الطائفة مجلس مع فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي، وكان مجلساً صافياً مباركاً: فكروا فيه في الأزهر، وذكروا ما آلت إليه أحوال الدراسة وشئون العلم في معاهده وكلياته وتخصصاته، واستعادوا ذكريات ماضية ما زال الناس يذكرونها لفضيلة الأستاذ الأكبر، وقيل لفضيلته في هذا المجلس: إن الناس ينتظرون منه أن يعيد عهد المراغي الذي كان على رأس الأزهر في سنة ١٩٢٨. ينتظرون منه أن يعيد عهد المراغي القوي الجريء الذي كان يكتسح العقاب، ولا يعبأ بالصعاب، ويغار على فكرته الإصلاحية ويدافع عنها دفاع الأسد الهصور. وقيل له في هذا المجلس أيضاً: إن الناس لا يريدون منه أكثر من أن ينفذ مذكرته الإصلاحية الكبرى بالروح التي وضعها بها، بالقوة التي تمثلت فيها، بالصراحة التي تتجلى في كل سطر من سطورها! وأذن فضيلة الأستاذ الأكبر لهذه الكلمات المخلصة التي تفيض عن قلوب للأزهر والدين مخلصة. أذن لهذه الكلمات، وفتح لها قلبه، واستعاد ذكرى ماضيه المجيد الذي تشير إليه، ثم قطع على نفسه عهداً ليكونن كما يريدون فلا يأتي أول العام الدراسي (يريد فضيلته العام الماضي) حتى تبدو آثار ذلك لهم وللناس أجمعين!
وانطلقت البشرى بهذا الحديث في مجالس الأزهريين وغير الأزهريين، وقرت به عيون واطمأنت إليه قلوب، وترقب الناس أول العام الدراسي متلهفين.
ولست أريد أن أعجل فأسأل: ماذا كان في أول العام الدراسي؟ وإنما أوثر الآن أن أستمر في عرض المثل لهذه الظاهرة حتى لا أخرج عما رسمت لنفسي في هذا المقال: