(٢) وقالوا أيضاً: إن طائفة من العلماء قد اجتمعت على سبيل المصادفة في مكتب فضيلة الأستاذ الأكبر، وكانت هذه الطائفة تضم بعض ذوي المناصب في الأزهر، وكان اجتماعها قبل ظهور فكرة الاحتفال بالعيد الألفي بزمن يسير، وجرى الحديث في شئون مختلفة ونواح شتى، ثم جرى حول الأزهر وحالة الدراسة في كلياته ومعاهده فأشار فضيلة الأستاذ الأكبر بأن يتناظر اثنان عيَّنهما في هذا الموضوع:(هل الأزهر القديم خير أو الأزهر الحديث؟) فقال أحدهما: ينبغي أولاً أن نحرر على طريقة الأزهريين موضع النقاش في هذه المناظرة، فنعرف من أين يبدأ الأزهر الحديث؟ أيبدأ بعهد الإمام الأول المغفور له الشيخ محمد عبده، أم يبدأ بعهد الإمام الثاني فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي؟ فإن كانت الأولى فالأزهر الحديث خير من الأزهر القديم، وإن كانت الأخرى فإلى أن يخرِّج الحديث أمثال المراغي وعبد المجيد سليم ومن إليهما يظل الأزهر القديم خيراً من الأزهر الحديث!
ووافقه صاحبه على هذا الرأي. فأما فضيلة الأستاذ الأكبر فلم يفته، وهو الرجل الذكي الألمعي، ما تقصد إليه هذه الإشارة فقال: لقد مضى على الأزهر ألف عام كان فيها بين التقدم والتأخر، وتقلبت عليه فيها نظم كثيرة، فإذا كانت الأعوام العشرة الأخيرة ليست من أعوام النجاح في تاريخه الطويل فهي أعوام تجربة، فأسقطوها من حساب هذا التاريخ، واعتبروها كذلك، وانظروا في تعديل هذا النظام على وجه تصلح به شئون الأزهر. قال قائلهم: لا. ليس السر فيما يشكو منه الناس راجعاً إلى النظام، فإن النظام في ذاته صالح وليس فيه عيب جوهري، ولكن هذا النظام لم ينل حظه من التنفيذ كما ينبغي أن ينال. وهذا هو السر في أنه لم يثمر ثمراته التي كان الناس يرجونها منه. قال فضيلة الأستاذ الأكبر: نعم هذا صحيح!
ولا شك أن هذين المثالين يدلان على ما عنيت بوصفه من تلك الظاهرة الجديدة التي بدت في الأزهر، وفي استطاعتي أن أمثل بكثير من نوعهما، مما يدور في المجالس الخاصة، ويتناقل الناس الأحاديث عنه، ولكني أورد مثالاً ثالثاً هو أجلى في بيان تلك الظاهرة وأدنى أن يعد من آثارها:
(٣) ذلك أن رجلاً مسئولاً من رجال الأزهر هو فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ محمود