١ - أما قصة عصفور من الشرق فتتلخص في أن الطالب الشاب (محسن) كان يشدو العلم في باريس، وأنه كان يسكن مع جماعة باريسية لاحظت عليه ما يلاحظ عادة على المغرم المبتدئ (ولا سيما إن كان شرقيَّا) من شرود وانقباض وقلق، فإذا عرفت منه أنه يحب شجعته وعلمته أن باريس لا تعرف التردد في الحب وأن قارورة من العطر أو باقة من الزهر تكفي لغزو قلب أية باريسية.
٢ - أما من هي التي شغفت أخانا محسناً حباً، فهي (جابية أو محصلة، أو عاملة) أو ما شئت فسمها، من عاملات دور الصور، كان الفتى محسن يهواها، بل يتعبدها، وكان منصرفاً، مذ أحبها، عن كتبه، بل عن مدرسته، لا يبرح واقفاً بالقرب من الشباك الذي تعمل فيه حتى تفرغ من عملها، فإذا قال لها (عمي مساءً يا آنسة) ردت عليه التحية بإغلاق الشباك في وجهه. . . ثم ما يزال يترصدها حتى يعرف مسكنها فيهجر مسكنه ويأوي إلى الفندق الذي تسكنه سوزي - وهذا هو اسمها - وتكون غرفته فوق غرفتها. . . أما أول التعارف فقد كان (خبطة عشواء!) إذ ادعى السيد محسن الإفلاس فكان أن أدت عنه سوزي حسابه للغسالة. . . ولا ندري كيف دفعته وهي لا تعرفه. . . يُسأل عن هذا فن الأستاذ الحكيم. . . أما كيف رد الثمن فقد أهدى إليها ببغاء وضعه في قفص - لعله من جريد لا من ذهب، وعلقه في حبل ثم دلاه من نافذته إلى نافذتها - فكان تعارف وكان شكر. . . وكان حب. وكانت سهرات وكان (أنس). . . وكان لا يصحو الأخ العزيز (العاشق الشرقي) محسن إلا على رنين قبلات سوزي، وربما كان لا ينام إلا على رنين قبلاتها كذلك. . . وكانت مقابلات يُضرّجها دم الغيرة الشرقية إذا تأخرت سوزي عن ميعادها. . . وإنهما لفي مطعم يوماً ينعمان ويأكلان ويشربان ويعبثان، إذا شاب يدخل فجأة فتذهل سوزي، وتكاد الأرض تسوخ من تحتها، وإذا سر قلبها يطفر فجأة من عينيها. . . وإذا العاشق الشرقي يعرف كل شيء. . . إنه ليس وحده في هذا القلب المزدحم! إنه طفيلي. . . لقد ركع في محراب هذا القلب عشاق معاميد من قبل
هذه هي القصة، لا ينقصها إلا خطابان أحدهما من محسن، والآخر رد من سوزي عليه. وإليك الآن هذه المقتطفات: