وأقول إن الطبيعة المصرية لا تعرف السهولة التي عناها الأستاذ العقاد، وليس بصحيح أن أرض مصر يرويها النيل بغير عناء، فهو لا يؤدي واجبه في ري الأرض إلا بالجمة من القناطر والجسور، ولا ينكف شره إلا بمتاعب ثقال
والحق أننا أسرفنا في وصف الأرض المصرية بالاستواء، وكدنا نوهم أنفسنا بأن بلادنا قليلة التنوع في المناظر، وقليلة القدرة على إبداع النقائض في المذاهب والآراء
والعقاد مصريٌ من أسوان، فما الاستواء الذي يراه في الطريق بين القاهرة وأسوان؟ ومتى سهل ري الأرض في مصر وهو المشقة الأولى في حياة الفلاحين؟
والعقاد لا يبخل على نفسه بما بخل به على هيكل، فهو في نظر نفسه من الذين يثبون إلى الآفاق العالية وينقضون إلى الأغوار العميقة، فعن أي أرض ورث الوثوب والانقضاض؟
إن الوطن المصري وطن مبدع، وله في الإبداع ألوان، ومن آيات إبداعه أن يجود في العصر الواحد بأفانين من الأذواق والعقول في كثير من الميادين
ثم ماذا؟
ثم يبقى القول في تحامل العقاد على المازني، وقد أراد أن يستر تحامله فشهد بأن المازني أقدر كاتب على الترجمة من لغة أجنبية إلى اللغة العربية
فمتى كانت الترجمة عملاً ذاتياً يقام له ميزات بين أعمال الرجال؟
الترجمة شيء مطلوب ومفيد، ولكنها ليست بالعمل الذي يجعل فرداً أقدر من فرد، وأمة أقوى من أمة، ومزية مصر أنها تبدع قبل أن تترجم، وذلك دليل الأصالة الذاتية، وهو سر تفوق مصر على كثير من الشعوب
من المؤكد أن الأستاذ العقاد كان يمزح وهو يسطر مقاله لمجلة الاثنين، فإن بدا له أن يجد فليساجلني على صفحات الرسالة الصديق، وله مني خالص التحية وعاطر الثناء.