للسياحة، فرأيت الدنيا تدور من حولي، ونظر إلى رفاق صباي فرأوا عبرة حزينة تترقرق في عيني. . . ثم تنهمر على صدري فتقف قريباً من قلبي الذي كان معها على ميعاد. . . لقد كان يخفق هو الآخر!. . . لقد ذكرت أسلافي صبية الفراعنة. . . صِبية مصر العظيمة الخالدة. . . يداعبون أسماكك يا نيل، فلا تمر بهم إحدى بواخر كوك للسياحة، تلك التي جرح مرآها كبريائي، وردت إليَّ طرفي وهو كسير حسير. . .!
لقد كان أبناء الفراعنة أولاد أمة كريمة لا يجسر الأجنبي على أن يحل بها إلا ضيفاً. . . أما أن يكون فيها سيداً ويتيه فوقك على بواخره الماخرات، فقد كنت تنقلب بحراً من الدماء يا نيل يقذف به إلى اليم، أو يُلقمه أفواه التماسيح
لهذا نسيت صيدي، ولمحني رفاق صباي أبكي. . . فلما وقفتهم على ما شجاني لم يلبثوا أن بكوا مثلي. . . وحطم كل منا سنارته، وقذف بها في أذيال هذا الثبج المنساب وراء باخرة كوك. وعدنا إلى القرية محزونين!
ما أجمل الخمائل التي تنشد فوق عدوتيك قصائد الورد يا نيل!
لله هذا الأيك الذي تغنى فيه حمائمك البيض بالنهار، ويرتل فيه الكروان أورادك بالليل!
فتنة! أنهرك فتنة! ولياليك فتنة! وأنهرك يلعب في سماواتها السبع أتون، ولياليك يرقص بين أنجمها خون! أتون الشمس المشرقة الضاحكة. وخون البدر السافر الطروب!
لقد كانت مصر المجيدة مشرقة ضاحكة كالشمس، سافرة طروباً كالبدر، وكان المصريون يتوقدون كما يتوقد النيران الشمس والقمر، وكانوا ينشدون في الدنيا كلها عبق ورودك يا نيل، ويتغنون لموكب الإنسانية نشيد إنشادك، وورد أورادك، وموكب الإنسانية من ورائهم يسير. فماذا دهى الدنيا؟ إن الشمس ما تزال تشرق، وإن القمر ما يفتأ يسكب لُجينه في واديك
لن أنسى أبداً تلك الليلة المقمرة في رحبات خوفو، وبين يدي أبي الهول، حينما كنت أنصت إلى تسبيح الأباء الصناديد يملأ الفيافي والبيد، وهتاف الأجداد الأمجاد، يدوي بين تلك الأوتاد. . .
لقد خيل إليّ أنني عدت القهقري لأعيش في هذا العصر بين أسلافي الأعزة، فذهبت بخيالي أول ما ذهبت إلى أقرب معبد فشهدت قومي يصلون لله ويقولون: (نحب الله