للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والوطن والملك، نحب الحياة العزيزة ونحب العمل الخالص لوجه الله والوطن والملك. الله والوطن والملك في كل مكان وليس في المعبد فقط)

ثم ذهبت إلى أقرب بيت فوجدت في حديقته الصغيرة من ورودك يا نيل، وذهبت إلى البيت الذي يليه فشممت فيه عبير رياحينك، فتنقلت بين المنازل كلها فلم أجد واحدأً، واحداً فقط ليس له حديقة. وهنا ذكرت زهرة النيلوفر. زهرة اللوتس المقدسة، تلك الزهرة التي كانوا يبرزونها في كل شيء. في مبانيهم وفي ملابسهم وفي آنيتهم وفي سفائنهم. . . وحتى في مقابرهم. . . فذكرت أنهم كانوا دائماً يعيشون فيك، لأنك أصل الحياة ومصدر العيش وجالب الخير وصانع المدنية. لذلك هم يقدسونك ولا يدنسون عُدويتك بما يدنسها المصريون اليوم مما لا أسميه (!). . . ولا يلقون فيك الجيف والرمم. بل يحيونك بباقات الورد وأكاليل الرياحين وضفائر اللوتس. أليست بلادهم حديقة يا نيل؟ أليست مصر أينع حدائق الدنيا؟ إن الأمة التي لا تفهم سر الحديقة، ولا تعرف لغة الورد، هي أمة لا قلب لها يا سيد الأنهار

ثم ذهبت إلى دار ندوتهم فوجدت فيها ملأ يأتمرون. . . لم أسمع كلمة آثمة تقال يا نيل. . .! لقد أصغيت إليهم يمحصون خير هذه البلاد في أدب وهدوء. . . وفي وقار. . . لم أسمع مطلقاً كلمة لاغية يصيب بها مصري عرض مصري، ولم أر مصرياً يرمي مصرياً بالمروق، ولا بانتهاب مال الدولة، ولا باحتساب أقاربه وأصهاره، وإيثارهم بالمناصب والأعطيات. . . ولم أر واحداً منهم يحتكر الوطنية والإخلاص لمصر، ويسفه على معارضيه ويرسل لسانه فيهم، ويتهمهم بممالأة العدو. . . مما نستهين به اليوم، ونصنعه في غير مبالاة ولا اكتراث، كأنه من الهنات الهينات. لقد رأيتهم جميعاً كرماء على أنفسهم. . . لا يحمل أحدهم موجدة لأخيه، ولا يبطن له ما يكره. . . أليسوا يقولون في صلاتهم: (نحب الله والوطن والملك. . . نحب الحياة العزيزة ونحب العمل الخالص لوجه الله والوطن والملك. . . الله والوطن والملك في كل مكان. . . وليس في المعبد فقط!)

ما أجمل ما كانوا يأتمرون في غير سفاهة ولا مهاترة، في سبيل إسعادك يا نيل!

غير أنني استيقظت من أحلامي فجأة، لأن أحد رواد الأهرام عثر بي وانحطم كالبنيان الشاهق فوقي. . . فلما نهض ونظرت إليه. . . وجدته. . . أحد جنود الأنزاك! وعندما

<<  <  ج:
ص:  >  >>