الصحراء الغادرة التي لا تعرف الوفاء. . . الصحراء التي يصيبها الوابل ثم تجحده، لأنه يغور في قلبها الذي يشبه قلوبنا. . .
ما أشد عواصفها الهُوج. . . هذه التيهاء المضلة!!
ولكن. . . لا. . . إنها مهما بلغت من العنف فلن تبلغ ما بلغته عاصفتنا الهجوم من بأس. . .
لله يا نيل تلك المحنة الأخلاقية التي تمزق وحدتنا، وتمسح وطنيتنا، وتبعثر جهودنا، وتشعب أمرنا، وتزيد في وهننا، وتضحك الأمم علينا، وتُفرى الأعداء بنا، وتلبسُنا شيعاً وأحزاباً، وتذيق بعضنا بأس بعض!
أهكذا نستقبل الربيع في جنَّاتك يا نيل؟
أين فرعون المحتفل والكاهن الشادي والشعب المغنى!
أين البنود والأعلام؟ أين الشعراء والأقلام؟ أين العلماء الأعلام؟
أهكذا نستقبل الربيع بعواصفنا كما يستقبلنا بعواصفه؟ أهكذا لا نستطيع أن نتعلم درساً في الجد من المجزرة البشرية الماثلة؟ أإلى هذا الحد تعقم وطنيتنا يا نيل! أفي زحمة تلك الدموع التي تسكبها عيون اليتامى والمنكوبين في بولندة وروسيا والصين. . . نعبث فوق ضفافك هذا العبث يا نهرنا المقدس؟
يا رب!
تدارك اللهم هذه الأمة فلم شملها، وارأب صدعها، واحسم داءها، وسدَّ ثُلمتها، وأقم ما مال من أمرها، وأصلح بالها، وأقل عثرتها، وألهمها السداد منك، والتوجه إليك، والإيمان بك؛ فهذه محنة ليس لها إلا أنت. . . إن لم تتداركنا فمن يرحمنا؟ وإن غضبت علينا فمن لنا؟. . . اللهم فأصلح ذات بيننا فقد أعضل أمرنا، وبهظنا الخلاف حتى ساء حالنا. . . اللهم إن هؤلاء قومي قد ضلوا سبيلك الحق فردهم إليه، واستفزهم الشيطان بغروره فنجهم منه، وافتتنهم فلا تدعه يستحوذ عليهم. . . اللهم إلا تهدنا نضل، وإلا تنجنا نهلك؛ فهذِّب اللهم أعراقنا، وطهر أخلاقنا، فلا ملجأ لنا إلا إليك، ولا نعوذ إلا بك يا قريب!
أرأيت يا نيل إلى هذه الوحدانية الجميلة الهينة الحنيفية؟! أليست خيراً ألف مرة من أربابك القدامى المتفرقة؟ أوزوريس وإيزيس وولدهما هوراس! وهذه العصبة التي لا تنتهي. . .