سبيل مصلحتها الذاتية، أي حرصا على مالها وخوفا عليه من السرقة في الطريق!) وهذا رد ساخر على كتاب لاروشفوكو الذي يرجع كل العواطف الإنسانية إلى مصدر وأحد هو: المصلحة الذاتية أو الاثرة.
ثم عرف ريشليو أن لاروشفوكو ساعد الدوقة على الهرب فاستقدمه إليه وأنبه. ولما رأى منه غلظة في الاجابة على أسئلته، أرسله إلى سجن الباستيل، ولكنه أمر مدير السجن بأن يتلطف في معاملته ويسمح له بالاستراضة على الشرف كل يوم. وبعد مرور ثمانية أيام على سجنه، أطلق سراحه فحمد الله على خروجه بعد هذه المدة الوجيزة في عهد حرص الباستيل فيه على حرفائه، وأنساه شعوره برضى الملكة وقهرمانتها والدوقة عن عمله، مرارة السجن قسوته.
وعقب استرداد حريته أمر بمغادرة باريس والاقامة في (فرتي) وهناك جاءه رسول من الدوقة وتسلم منه حليها، وعاش في ذلك لريف عامين هادئاً مطمئنا، وأصبح بيته ملتقى النبلاء والعظماء. وقد ذكر هذا العهد في مذكراته فقال (كنت شابا في ذلك الوقت، وكان الملك ووزيره يدانون رويداً من القبر، فرجوت أن أحصل على خير كثير بعد موتهما وتغير الحال. وكنت سعيداً في أسرتي، أحظى بكل مسرات الريف وأجد حولي كثيراً من النبلاء الأغنياء المغضوب عليهم من الوزير، لهم مثل أماني وآمالي). وهنا يظهر الرجل الطموح في ثوب الشفيق على ملكة تعسة.
ولما دارت رحى الحرب في (البلاد الواطئة)، سمح له بالانضمام إلى الجيش بعد طول إلحاحه، وأبلى بلاء حسنا في موقعتي سان نيقولا وسان فينان. وعرض عليه ريشليو رتبة سامية مكافأة له على بسالته فرفض إذعانا لأمر الملكة، إذ كان في نيتها إن تجنبه قيد الوزير حتى يستطيع أن يسل سيفه في وجهه لما تمكنها الظروف من إشهار عداوتها له.